هل تنجح أميركا في جذب روسيا ضد الصين؟ Previous item ألغاز بوتين: محاولة فك... Next item تشومسكي: دعم إسرائيل يتآكل...

هل تنجح أميركا في جذب روسيا ضد الصين؟

كيسنجر ينصح ترامب بالتقارب مع روسيا لمواجهة قوة الصين المتنامية

 

مغازي البدراوي

يدور الحديث الأن في أوساط سياسية واستراتيجية في موسكو وواشنطن عن مساع أميركية يقوم بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتقارب مع روسيا وتكوين تحالف معها ضد العملاق الصيني الذي يشكل صعوده تهديداً للجميع، على حد وصف خبراء أمريكيين.

ورغم أن العلاقات الروسية – الصينية الآن من القوة والمتانة بحيث لا يستطيع أحد اختراقها، إلا أن الأميركيين يلعبون على عامل الزمن وتغير الظروف، وربما لما بعد رحيل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الحكم، بإعتباره الأكثر حرصاً على تقوية وتطوير العلاقات مع الصين. لكن البعض يرى أن الرئيس بوتين براغماتي بالدرجة التي تهمه معها مصالح روسيا قبل كل شيء، وبالتالي إذا تطورت مصالح روسيا مع الولايات المتحدة وكان لدى واشنطن ما تقدمه لروسيا أكبر مما تقدمه الصين لها، فلم لا، خاصة وأنه كما يقول البعض أن “كل مشاكل روسيا من أمريكا بينما ليست كل مصالح روسيا مع الصين”.

كاهن السياسة الأمريكية المخضرم هنري كيسنجر صاحب برنامج “احتواء الصين” في منتصف سبعينات القرن الماضي، هو الآن صاحب فكرة تقارب واشنطن وموسكو ضد بكين. ولقد كتبت صحيفة “غازيتا رو” الروسية تقول أن الدبلوماسي الأميركي الأسطوري ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، التقى مراراً مع دونالد ترامب ونصحه بالتعاون مع روسيا لمواجهة الصين المتنامية القوة، ونصح ترامب باستخدام الاستراتيجية التي طورها في السبعينيات لاحتواء الاتحاد السوفييتي.

وقالت الصحيفة الروسية أن ترامب نفسه، تحدث عن الحاجة إلى توحيد القوى مع روسيا لإحتواء الصين، بينما كان لا يزال مرشحًا لرئاسة الولايات المتحدة في صيف العام 2016. فقد قال في مهرجان في لاس فيغاس: “الصين لا تطيقنا، الكل يكرهنا، إلى جانب أنهم يكسبون من ورائنا. لطالما سمعت أن أسوأ ما يمكن أن يحدث لبلدنا هو التقارب بين روسيا والصين. نحن قربناهما بأنفسنا. إنه أمر فظيع لبلدنا، جعلناهما صديقتين. أعتقد حقا أنني سأتفق مع روسيا[1]“.

رغم يقين البعض بأن الظروف تتغير والسياسة لا تعرف المستحيل، وأن عدو الأمس يمكن أن يصبح صديق الغد، ومثال كوريا الشمالية واضح، إلا أن كافة المعطيات على أرض الواقع تعوق تحقيق هذه الخطة الأمريكية من كافة الجوانب. ورغم ان تاريخ العلاقات الروسية والسوفيتية – الصينية لم يكن إيجابياً، والخلافات كانت بين العملاقين الشيوعيين كانت مشتعلة دائماً، وصراعهما على زعامة العالم الشيوعي لم يتوقف حتى لحظة انهيار الاتحاد السوفييتي، وحتى بعد الانهيار لم تكن العلاقات جيدة في عهد الرئيس الروسي الراحل بوريس يلتسين، إلا أن الظروف تغيرت على الساحة الدولية بشكل جذري، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر /ايلول عام 2001، والتي أعلنت بعدها الولايات المتحدة عن حملتها العسكرية ضد ما أسمته بالإرهاب الدولي، واختارت أفغانستان نقطة الهجوم الأولى لتوجيه قواتها وقوات حلف الناتو إليها. حينذاك استشعرتا كل من موسكو وبكين معا أن هناك خطراً كبيراً يستهدفهما معا، خاصة بعد أن زرعت الولايات المتحدة قواعدها العسكرية في دول آسيا الوسطى الواقعة بين روسيا والصين. وبدا واضحا للبلدين أن هناك مخططات لتصدير الإرهاب من أفغانستان وأسيا الوسطى إليهما، حيث اشتعلت الحركات الانفصالية والعمليات الإرهابية في منطقة شمال القوقاز جنوب روسيا، بينما ظهرت بوادر الاضطرابات في الأقاليم الشمالية الشرقية من الصين التي تسكنها أقليات مسلمة.

حينذاك قررت روسيا والصين، ولأول مرة في تاريخهما، أن يتقاربا ويتحدا من أجل مواجهة الخطر المشترك. وكانت دول آسيا الوسطى الواقعة بينهما، تشكل بالنسبة لهما نقطة ضعف كبيرة، حيث التواجد العسكري الأميركي في هذه الدول، وحيث الحدود المفتوحة، وغير الخاضعة للمراقبة، لهذه الدول مع روسيا والصين، مما يسمح بتسرب الجماعات الإرهابية والمخدرات من أفغانستان عبر دول آسيا الوسطى إلى كل من روسيا والصين.

من هذا المنطلق جاءت فكرة تأسيس “منظمة شنغهاي للتعاون” في عام 2001 بمبادرة صينية رحبت بها روسيا لتضم معهما أربع جمهوريات من آسيا الوسطى هي كازاخستان، قيرغيزيا، أوزبكستان وطاجيكستان. هذه المنظمة التي شهدت أول مناورات عسكرية روسية – صينية مشتركة في أغسطس/آب عام 2005، وهذا حدث تاريخي لم يكن أحد يتصوره ولا حتى في زمن الحرب الباردة. وشارك في هذه المناورات نحو عشرة آلاف عسكري وقطاعات حيوية واستراتيجية من قوات البلدين ومن البلدان أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون. وتقدمت واشنطن بطلب لحضور المناورات كمراقب، ورُفض طلبها بينما دعي عسكريون من الهند وإيران لحضور المناورات، الأمر الذي وضع علامات إستفهام كثيرة لدى الغرب حول الأهداف غير المعلنة لهذه المناورات، وحول توجهات منظمة شنغهاي الاستراتيجية، ثم توالت المناورات المشتركة بين البلدان الست الأعضاء[2] في المنظمة بشكل دوري.

زادت وتيرة التعاون المشترك والتقارب الواضح بين الصين وروسيا في مختلف المجالات، وبشكل ملحوظ، مع تولي الرئيس فلاديمير بوتين الحكم في روسيا عام 2000، وأصبحت الصين ثاني أكبر مستورد للسلاح الروسي بعد الهند وبلغت نسبة السلاح الروسي في الجيش الصيني نحو 70%. وتزود روسيا الصين بأحدث الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية، ووافق الرئيس الروسي بوتين أثناء زيارته للصين في أكتوبر عام 2004 علي تزويد بكين بمنظومة الدفاع الصاروخية “إس 300″، وهي المنظومة التي كانت واشنطن في منتصف التسعينات من القرن الماضي، قد حصلت علي تعهد من الرئيس الروسي الراحل بوريس يلتسين بعدم تصديرها لأي جهة أجنبية.

وفي عام 2005 كانت لروسيا وقفة قوية إلي جانب الصين في أزمتها النفطية الحادة التي كانت تهدد برامج التنمية الاقتصادية في الصين،  هذه الأزمة التي أدت إلي نقص الوقود لإمداد نحو 24 إقليماً من أصل واحد وثلاثين إقليماً صينياً بالكهرباء، فيما باتت مئات المصانع الصينية مهددة بالتوقف عن العمل. فقد إرتفعت أسعار النفط آنذاك بشكل ملحوظ، ما شكل عائقاً أمم خطط التنمية الاقتصادية والصناعية، والتي كانت تحتاج لكميات كبيرة من مصادر الطاقة. ورفض الغرب إمداد الصين بالنفط رغم قدرتها على دفع ثمنه، ولم تجد بكين أمامها سوي جارتها الكبرى روسيا التي لم تضيع الفرصة لكسب العملاق الصيني، حيث وافق الرئيس الروسي بوتين على الفور على سد احتياجات الصين من النفط والغاز، وعرض بوتين علي بكين الاستثمار في قطاع النفط الروسي، ووافقت الصين علي الفور علي إيداع 12 مليار دولار استثمارات في قطاع النفط الروسي، ليحقق بوتين بذلك صفقة تاريخية بكسب الصين حليفاً قوياً ومرتبط ارتباطاً مصيرياً بروسيا التي تستطيع أن تعطيه ما لا يستطيع غيرها أن يعطيه له، ألا وهو الطاقة والسلاح الحديث[3].

وفي شهر مايو/أيار  2014 أعلن عن “مشروع القرن”، وهو أكبر مشروع في تاريخ مصادر الطاقة، والذي بمقتضاه ستحصل الصين على ما لا يقل عن 38 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً من روسيا بداية من عام 2018، ولمدة ثلاثين عاماً. وقدرت قيمة المشروع بنحو 400 مليار دولار، ولم تكن صدمة الغرب من هذا المشروع لقيمته المالية الكبيرة، بل لأنه سيقرب بين روسيا والصين بشكل كبير لسنوات طويلة قادمة[4].

لقد تطورت العلاقات بين روسيا والصين بشكل غير عادي يصعب على أية قوة أو جهة في العالم التأثير فيه، وتطور التعاون الاستراتيجي بين البلدين للدرجة التي لم يعد معها مجالاً للشك في أن تحالفاً دولياً قوياً قد ظهر على الساحة الدولية يجمع العملاق العسكري السياسي روسيا والعملاق الاقتصادي الصين، وأن هذا التحالف سوف يغير بالقطع موازين القوى العالمية في المستقبل القريب. وحتى بعد رحيل بوتين عن الحكم في الكرملين، ومجيء رئيس آخر أو نظام آخر، فإن تغيير هذه الأوضاع سيكون شبه مستحيل، خاصة وأن مؤشرات التطور داخل الولايات المتحدة وخارجها تعكس تراجعاً كبيراً في مكانة القطب الأميركي الأوحد وأفول نجمه وسعي حلفائه وأصدقائه للانفضاض من حوله.

 

 

 

*الدكتور مغازي البدراوي خبير قانون دولي ومتخصص في شؤون روسيا وآسيا الوسطى. صدر له كتاب “روسيا وايران، تعاون أم تحالف”. كما قام بترجمة عدد من الكتب من الروسية الى العربية أهمها “رهائن الكرملين”، “الأب الروحي للكرملين”، “ملفات المخابرات الروسية” و”الدبلوماسية السوفيتية والروسية”.

 

 

 

[1] أنظر موقع روسيا اليوم، 2 اغسطس 2018، الرابط: https://arabic.rt.com/press/960921-الصين-لا-تطيقنا-يقترحون-على-ترامب-اتحادا-مع-روسيا

[2] راجع:  موقع وكالة “ريا نوفوستي” مناورات عسكرية روسية – صينية عام 2005. 6 سبتمبر/ايلول 2009. الرابط: https://ria.ru/trend/exercise_concord_Russia_China_070805/

[3] انظر:  موازين القوى تنتقل من الغرب إلى الشرق، ليونيد ألكسندروفتش- جريدة البيان الإماراتية، 15 مايو/ايار 2010. الرابط: http://www.albayan.ae/one-world/2010-05-15-1.245111

[4]  أنظر: المركز الوطني للأبحاث واستطلاع الرأي،  دمشق، 24 أغسطس/آب  2014. الرابط: http://ncro.sy/?p=1180