الايزيديون: أين ذهبت أصواتنا؟ Previous item كيف تعاملت وسائل الاعلام... Next item هل تغير مزاج الناخبين: سقط...

الايزيديون: أين ذهبت أصواتنا؟

خلف حجي حمد

أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية نتائج الانتخابات البرلمانية في الوقت الذي أصبح فيه الايزيديون مجدداً أكبر ضحايا السياسية الخاطئة التي تمارسها الحكومة العراقية واحزاب السلطة الحاكمة في العراق ضد الايزيديين خاصة القاطنين منهم في قضاء سنجار .

قبل هذه الانتخابات، كان الايزديين ابرز ضحايا تنظيم داعش الارهابي، فالاقليم الذي كان يضم اكثر من 350 ألف ايزيدي حسب الاحصائيات الرسمية قبل غزو داعش لمدينة سنجار الواقعة شمال غرب العراق الذي دفع الآلاف منهم لهجرة موطنهم التاريخي في سنجار  بعد أن سبيت نسائهم وقتل رجالهم واغتنم داعش اموالهم وهدم مدنهم ومقدساتهم في الوقت الذي عجزت الحكومة العراقية وحكومة اقليم كردستان العراق عن توفير الحماية لهذه الاقلية الدينية العريقة التي سكنت أعالي بلاد وادي الرافدين منذ أكثر من خمسة آلاف عام.

لقد جعل هذا العجز  الايزيديين هدفاً سهلا لداعش بعد انسحاب القوات العراقية اولاً من حدود القضاء في العاشر من يونيو/حزيران من العام 2014  وتالياً انسحاب القوات الكردية في الثالث من اغسطس/ آب من العام نفسه مما سهل دخول داعش الى سنجار وادى ذلك الى حدوث مجازر دموية يندى لها جبين الانسانية بحق الايزيديين يضاف الى ذلك موت المئات من الاطفال والشيوخ والنساء جوعا وعطشا في جبل سنجار خلال سبع أيام من الحصار ناهيك عن أسر وقتل ستة آلاف شخص خلال اليوم الأول من الغزو.  أدى ذلك إلى هجرة آلاف العوائل الايزيدية خارج العراق الى اوربا وامريكا واستراليا كما سكنت نسبة كبيرة قدرت ب 200 الف نسمة في مخيمات النزوح في اقليم كردستان العراق وقرى وقصبات اقليم كردستان وكذلك المخيمات في تركيا.

بعد كل تلك الاحداث الدموية والمآسي التي حلت بالايزيدية، تفاءلوا خيراً باهتمام الحكومة العراقية بهم واعطاءهم جزءاً من حقوقهم باعتبارهم مكوناُ اصيلاً من الشعب العراقي ومن بين تلك الحقوق حق الانتخاب بالشكل الذي يتناسب مع ثقلهم السكاني في العراق.

فلقد تقدمت  النائبة عن المكون الايزيدي في مجلس النواب العراقي فيان دخيل في مطلع العام 2018 بثلاث خطابات رسمية الى مجلس النواب العراقي تطالب فيها بزيادة عدد مقاعد حصة الايزيديين  من مقعد واحد يتيم الى خمسة مقاعد لان تعدداهم اكبر بكثير من ان يمثلوا بمقعد واحد. لكن هذه المطالبة قوبلت بالرفض من اغلبية اعضاء مجلس النواب العراقي في دولة تدعي التزام حقوق الانسان والتعددية. وفي الوقت الذي يحتاج فيه الايزديين الى صوت قوي في بغداد يعمل على تأهيل مدنهم الفارغة من البشر في سنجار وتنظيف آلاف الدور السكنية التي قام تنظيم داعش بتفخيخها رغم تحرير قضاء سنجار من تنظيم داعش منذ أكثر من عام والعمل على اعادة 300 ألف نازح الى ديارهم بعد العيش لأكثر من أربع سنوات في مخيمات تفتقد لأبسط مقومات الحياة.

 

تشتت الأصوات

ان رفض مجلس النواب العراقي لمقترح النائبة فيان دخيل ادى الى تشتت اصوات اكثر من 100 ألف ناخب ايزيدي كما ادى ذلك بالايزيديين الى المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في الحادي عشر من مايو/ ايار الماضي بعدة قوائم انتخابية مستقلة وضمن قوائم أخرى تابعة لأحزاب عراقية علمانية والتي خذلت الايزيديين وصادرت اصواتهم خاصة ان مئتي الف ايزيدي يعيشون في مخيمات النزوح وفي خارج البلاد.

وعقب إعلان النتائج الرسمية في يوم 19 أيار مايو من عام 2018، لم يكن هنالك اي مرشح ايزيدي ضمن قضاء سنجار ضمن الفائزين في انتخابات مجلس النواب العراقي على الرغم من فوز ثلاث مرشحين ايزيديين وهم صائب خدر ممثل الكوتا الايزيدية وهو من اهالي قصبة بعشيقة شمال شرق الموصل وحسين  نرمو مرشح عن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي كان يترأسه الزعيم الراحل جلال طالباني، كما فازت المرشحة خالدة خليل رشو عن الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يترأسه السيد مسعود البرزاني والاثنين من سكنة المناطق التابعة لإقليم كردستان العراق. لكن لم يفوز اي مرشح إيزيدي مستقل أو أي مرشح ضمن الأحزاب الايزيدية المستقلة التي شاركت في الانتخابات.

لقد أدى ذلك الى اعتبار ماحدث مؤامرة حقيقية ضد الايزيديين ومحاولة لمصادرة حقهم الانتخابي من قبل المفوضية والأحزاب السياسية العراقية بعد الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها في العام 2014. واعتبر الايزدييين ما جرى في الانتخابات ابادة ايضا لكنها من نوع آخر حيث تعد هذه هي المرة الاولى التي يكون فيها قضاء سنجار عامة والايزيديين خاصة بدون تمثيل برلماني في البرلمان العراقي منذ عام 1947 أي منذ 71  عاما لم يخلو مجلس النواب العراقي من نواب ايزيديين.

لقد كان تمثيل الايزديين منذ العام 1947 على النحو التالي:

1947: السيد مطو خلف الياس. [أول عضو ايزيدي من سنجار بمجلس النواب العراقي].

1948: السيد بركات شيخ ناصر. [ممثل قضاء سنجار].

1949: الفقير خضر خديدا خمو شرو. [بالتزكية حتى سقوط النظام الملكي في 14 يوليو/تموز 1958].

1980: الشيح مراد بركات ناصر / قاسم خضر الياس الملقب عمشوكا التاتاني. [ممثلين عن اقليم سنجار. وبعد استشهاد الشيخ مراد بركات في الحرب العراقية-الايرانية، أختير ابنه عجاج مراد بركات بدلاً عنه في عضوية المجلس عام 1981].

1984: قاسم خضر الياس التاتاني. [ممثلا عن اقليم سنجار].

1988: حسن حبش قورو الرشكاني. [ممثلا عن اقليم سنجار].

1996: عيسى عفدو مطو كندر الرشكاني. [ممثلا عن اقليم سنجار].

2004: حيدر قاسو ششو. [ممثلا عن اقليم سنجار].

2007: محما خليل قاسم السموقي. [ممثلا عن اقليم سنجار].

2010: محما خليل/فيان دخيل/قاسم حسين برجس/جاسم اسودكو/ امينة سعيد [ممثلون عن قضاء سنجار].

2014: فيان دخيل /ماجد خلف حمو الببواتي. [ممثلان عن اقليم سنجار].

2018: لا احد يمثل سنجار.

وعلى اثر ماجرى، خرج مركز لالش الايزيدي الذي يضم خيرة الكتاب و المثقفين الايزيدين ببيان شديد اللهجة صباح يوم 19 من مايو/ ايار 2018 حيث تساءل في بداية البيان: “اين ذهب اصوات 100 الف ناخب ايزيدي من اهالي سنجار؟”.  واعتبر بان ماحدث في الانتخابات البرلمانية العراقية “مؤامرة صريحة وواضحة بحق الايزيدين في سنجار” .

كما عبر العديد من السياسيين والكتاب والمثقفين الايزيدين عن رأيهم بما  ماحدث، حيث قال عضو مجلس محافظة نينوى عن المكون الايزيدي في سنجار خدر الياس ادي، بأنه “تم الاعلان عن نتائج الانتخابات قبل ان تنتهي المفوضية من عد وفرز أصوات الايزيدين من اهالي سنجار الساكنين في مخيمات النزوح في اقليم كردستان” مضيفاً “وأي غبن اكبر من هذا الغبن بحق أهالي قضاء سنجار”.

وقال الكاتب والصحافي الايزيدي طلال مراد على صفحته الرسمية في الفيسبوك بعد إعلان نتائج الانتخابات أن 88 صندوقاً انتخابياً في مركز العد والفرز في قضاء [“سميل”] التابع لمحافظة دهوك لم يتم فتحها حتى الآن ورغم ذلك، فإن المفوضية اعلنت رسميا نتائج الانتخابات. وهذه الصناديق تضم جميعها اصوات الايزيديين وهي على الاقل تضم 40  ألف صوت وهي كافية لحصد مقعدين في البرلمان العراقي”.

كما عبر المرشح الايزيدي لمجلس النواب العراقي عن قضاء سنجار شكر خضر الدخي عن شكره وتقديره لك من رشحه ووقف معه رغم فشله وفشل زملائه لكنه اختتم تصريحه بالقول “لقد غدرت بنا مفوضية الانتخابات ولم تحسب أصواتنا علما ان صناديقنا  لحد الان غير مفتوحة في مبنى كلية الزراعة في قضاء سميل”.

يمكن العثور  على العديد من الآراء الاخرى المشابهة وهي جميعها تؤكد وجود اهمال متعمد وعدم فرز وعد أصوات الايزيديين القاطنين في مخيمات النزوح وإعلان النتائج قبل العد والفرز وان أصوات النازحين الايزيديين مازالت محجوزة في مبنى كلية الزراعة في قضاء سيميل في محافظة دهوك  وان 70 % من ايزيديي سنجار الذين يعيشون حاليا في العراق يسكنون في عدد من المخيمات في حدود محافظة دهوك وقضاء زاخو ومحافظة السليمانية وهي مخيمات (شاريا خانك وكبرتو بيرسفي وجم مشكو وشيخان، مام رشان وئيسيان دركارى وئاشتي) وغيرها من المخيمات كما ان حوالي 30% في يعيشون في مركز قضاء سنجار والقرى والمجمعات الشمالية من القضاء.

الخلاصة، ان الايزيديين يقولون أن من بين 57 مرشحا مشاركين في الانتخابات من قضاء سنجار  ايزيديين ومسلمين في القضاء  هل يعقل ان لا يفوز مرشح واحد من بينهم. يرى الكثير من الايزيدين بأن لا مكان لهم في بلد لايحترم ارادة مواطنيها وان شعارات الحكومة العراقية فيما يخص حقوق الأقليات  ليست الا حبراً  على ورق وان سياسة والتهميش التي تمارس ضدهم تفتح الباب امامهم الى الهجرة خارج العراق.

 

 

 

 

خلف حجي حمد كاتب وصحافي عراقي من سنجار مقيم في المانيا. له العديد من الدراسات المنشورة في الشأن الايزيدي وكذلك بحوث ودراسات عن الادب الكردي.  صدر له كتاب بعنوان “استرانفانين وة غة ركنين شنكال وبة رخودانة كابي وينة“. بالعربية: “النضال المكنون للمغنيين الفلكلوريين في سنجار”. يحكي الكتاب حياة فنانين من جبل سنجار في اواخر القرن التاسع عشر  نقلوا قصص العشق والبطولة لدى الايزيديين. وهو من اصدارات الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي الطبعة الاولى عام 2013 مطبعة هاوار في دهوك، كردستان العراق.