مستقبل العقل والإنسان.. التخاطر بين الدماغ والحاسوب Previous item النار والغضب داخل بيت... Next item كيف تعاملت وسائل الاعلام...

مستقبل العقل والإنسان.. التخاطر بين الدماغ والحاسوب

حسين الوادعي* 

 عندما تقرا كتابا عن مستقبل العقل  للعالم الحاصل على جائزه نوبل ميشيو كاكو يحاول فيه تطبيق قوانين الفيزياء علي حقائق علم الاعصاب والطب فهذا امر لا يمكن ان يمر دون ان نعطيه الاهتمام الكافي.

 في كتابه “مستقبل العقل” الذي صدر عام 2014 رسم كاكو صوره للتغيرات الثوريه التي يقودها العلم في مجال هندسه الدماغ وتطوير الذكاء والدمج بين الانسان والآلة.

التطور هو الحقيقة الكبرى في الكون.

 لكل شيء ماض ومستقبل بما في ذلك الانسان والعقل. وعقلنا هذا الجهاز الجبار الذي يحلل الافكار ويخلق العواطف و يتحكم في الشعور واللاشعور الة متطورة لم يكن قبل مئات الالاف من السنين كما هو عليه اليوم، و لن يكون في المستقبل ما هو عليه الان.

 لكن المستقبل لا ينتظر الانتخاب الطبيعي الطويل الذي يحتاج الى مئات الالاف من السنين العلم. الدمج بين الانسان والالة و الانتخاب الصناعي يغير مستقبل العقل بشكل  جذري. اصبح العلم و قادرا على قراءة الافكار لكنها ليست القراءة التي نشاهدها في افلام الخيال العلمي ولا في كتب السحر و العلم الزائف.

 استطاع العلم  قراءه افكار الانسان من خلال الة الرنين المغناطيسي وآلات قراءة ومسح الدماغ الأخرى الأكثر تعقيداً التي تسجل الإشارات الكهربائية التي تحدث في الدماغ عندما يفكر الانسان في صوره أو كلمة أو شعور.

في حفل افتتاح كأس العالم في البرازيل 2014  نقلت الكاميرات واحداً من اهم الفتوحات العلميه في مجال هندسة العقل. شاب برازيلي يرتدي بدله روبوتيه ركل الكرة مؤذناً بافتتاح البطولة العالمية. كان الناس مشغولين  باخبار ميسي ورونالدو ونيمار وبقيه النجوم لكنهم، لم يعرفوا ان هذا الشاب كان مصاباً بالشلل الكامل،  وعاجزعن الوقوف أو تحريك أي من اطرافه. لكنه البدلة الروبوتيه كانت تربط وعقله بأعضاء جسده وتعطيها إشارات الوقوف والحركة بمجرد التفكير.

تسري في الدماغ اشارات يستطيع الحاسب الالي تسجيلها والتعرف على الكلمه او الصوره التي تمثلها هذه الإشارة يستطيع الحاسب الآلي معالجة آلاف الاشارات التي تحدث في الدماغ خلال فترة أقل من الثانيه وتحليلها ومعرفة ما تمثله.

و اذا ما تم التوصل الى طريقه لربط الدماغ بالحاسوب يستطيع الدماغ البشري في المستقبل ان يحرك الاشياء عن بعد عن طريق إصدار اشارات كهرومغناطيسية الى الحاسب الآلي يقوم الحاسب بدوره بترجمتها الى أفعال. هذه التقنية التي تبدو أقرب الى الخيال العلمي صارت أمراً واقعا.   فقد تمكن العلماء عن طريق زرع الشريحه في رأس أحد  المصابين بالشلل النصفي من تمكينه من تحريك الكرسي الكهربائي وتشغيل التلفزيون والنور الكهربائي.

عن طريق الرابط بين الانسان والآلة و بين الدماغ البشري وأجهزه مسح الرنين المغناطيسي، يسعى الإنسان لتحريك الاشياء عن بعد، هذا هو التخاطر بمعناه العلمي لا بمعناه الخرافي، بل تخاطر بين الدماغ و الحاسوب. هذه التقنيه عندما تكتمل ستكون مهمة جداً للمؤلفين والمبدعين. لن يحتاج المؤلف الى الكتابه او الطباعه فهو  سيتمكن من إرسال أفكاره  مباشرة الى الحاسوب و يقوم الحاسوب بترجمتها الى نص مطبوع. كما ان الموسيقي يستطيع في المستقبل تاليف الموسيقى حتى دون ان يحتاج الى لمس الته الموسيقيه. كل ما سيحتاجه هو همهمة اللحن داخل عقله ليحولها الحاسوب إلى  نوته موسيقية جاهزة العزف.

هذه التقنيه الثورية ستغير التاريخ البشري اذا تغلبت على عائقين. الأول هو ضخامة الآلات المستخدمه حالياً و غلاء اسعارها التي قد تصل الى ثلاثه ملايين دولار.  والعائق الثاني هو انها لا تزال بحاجة الى فتح ثقب في الجمجمه حتى تتمكن المجسات من ملامسه الدماغ  ونقل الإشارات. عندما يتغلب العلم على هذا العائقين سنكون قد دخلنا حكمة جديدة يمكن ان نسميها حقبه ”الإنسان الآلة“ او حقبه ”ما بعد الانسان“.

يحاول علماء اليوم صناعة آلة رنين مغناطيسي مدمجة في الهاتف النقال. واذا ما تمكنوا من ذلك، فإن هاتفك سيكون قادراً على قراءة افكارك وتلقيها وتنفيذ أوامر عقلك مباشرة. وعندها سيصبح الخيال العلمي حقيقه، بل لنقل سيصبح السحر حقيقه. ستتمكن ليس فقط من الطباعة عن بعد والكتابة عن بعد، ولكن ايضا تحريك الأشياء من خلال التواصل بين عقلك والحاسب الآلي أو الهالتف النقال عبر آلة الرنين المغناطيسي المصغرة.

تذكر ان التكنولوجيا سلاح ذو حدين. فعندما تكون قادراً على الإرتباط بحاسوبك الآلي عن طريق دماغك مباشرة، وتحريك الأشياء عن بعد فإن هذا يعني أن حاسوبك او هاتفك المتنقل سيكون قادراً على قراءه أفكارك بدون الحاجة إلى استئذانك. فهل تتخيل معنى أن تكون أفكارك متاحة للقراءه بكل الأجهزه المرتبطه بك عن طريقي كلمه السر.

عندما كنا طلبه وبالذات في إمتحانات الشهاده العامة، كنا نتمنى لو أن هناك و سيلة نحشر فيها المنهج الدراسي في رؤوسنا حشراً دون الحاجة  للايام الطويله من المذاكرة. فهل سيتمكن العلم في يوم من الايام من تحميل المهارات والمعلومات والذكريات في رؤوسنا كما نقوم بتحميل أغنيه من الانترنت؟ العلم يقول أن ذلك ممكن.

مسح الذكريات المؤلمة

لقد تمكن العلماء من مسح الذكريات وزراعة ذكريات جديدة. مسح الذكريات سيقلب مجال الطب النفسي خاصة عند التعامل مع ضحايا الإغتصاب و ضحايا الحروب وضحايا الصدمات النفسيه العنيفة. فبدلاً من العلاج الطويل سيقوم الطبيب بمسح الذكريات المؤلمة من ذاكرتهم. أما زرع الذكريات فهو الأكثر ثورية.  فهذا يعني انك بدلاً من التدريب لشهور وربما لسنوات طويلة، ستزرع الذكريات  في دماغك عبر شريحة أو مجسات نانوية.

 واذا اردت ان تتعلم اللغة فلا حاجة لسنوات طويلة من الدراسة ومراجعة القواعد النحويه وأساليب الحديث ومهارات الكتابة. يمكن ان تزرع الذكريات هذه اللغه زرعاً في دماغك، لكن هذه التقنيه ليست في متناول علماء اليوم بعد وربما ينتهي القرن الحادي والعشرين ونحن لا زلنا في بداياتها، عدا أن العلم يقول ان ذلك كله ممكن. يمكننا في المستقبل تحميل الذكريات والمهارات والمعلومات للدماغ كما نقوم اليوم بتحميل اي برنامج عادي على الحاسوب الشخصي.

اذا تحدثت عن العبقرية فإن  أول صورة تخطر على البال هي صوره آينشتاين. العباقرة قلة، لكن هل يستطيع العلم تطوير الذكاء وتحويلنا جميعاً الى عباقرة؟ الإجابه هي نعم، لكن متى؟

لا نقول جديداً إذا ذكرنا أن للعقل البشري قدرات خارقة. حالات مرضى التوحد قدمت نماذج للقدرات الخارقه للدماغ. فالبعض كان قادراً علي حفظ 1000 كتاب، وقراءه  وحفظ كتاب كامل خلال ساعه آو ساعتين، واجراء عمليات حسابية معقدة جداً، والاحتفاظ بذاكرة بصرية خارقه تستطيع تذكر آلاف البيوت في مدينه كبيرة.

 الى جانب حالات التوحد كانت بعض حوادث واصابات الدماغ تؤدي إلى  نتيجه غريبة. يتحول الشخص المصاب إلى إنسان  ذو قدرات عقلية خارقة في المجال الفني او الرياضي. ما دام العقل البشري يمتلك هذه القدرات الخارقة، لماذا لا يستطيع الناس العاديون استخدامها؟ هذا اللغز يحاول العلم الاجابة عنه.

لكن هذه القدرات الخارقه موجودة فعلاً  بدلاً من الإنتظار لحادث ربما يستطيع العلماء تحفيز هذه القدرات عبر شرارات كهربائية او مواد كيميائية معينة تجعل الدماغ العادي قادراً على التحول الى دماغ خارق.

 قديما ربط الناس بين العبقرية والجنون وهناك بالفعل علاقة قوية بين ظهور بعض القدرات الخارقة وبعض الاختلالات العقلية أو الاصابات. لكن العلم لن ينتظر ويسعى لتحفيز هذه القدرة الخارقة و التحكم فيها وتحويل كل إنسان عادي إلى عبقري.

حسين الوادعي كاتب من اليمن مهتم بقضايا الشباب والعلمانية والديمقراطية وحقوق الإنسان. ينشر مقالاته في عدة مواقع وصحف مثل: “النهار”، “ارفع صوتك“، “هنا صوتك” و”درج“. مدرب ومشرف في شبكة اعلاميون من اجل صحافة استقصائية عربية (اريج).  يعمل مستشاراً إعلاميا مستقلا لعدد من المنظمات الدولية. لمزيد من الاطلاع على كتابات الوادعي بامكانكم زيارة حسابه على فيسبوك https://www.facebook.com/alwaday .