هل الفقر والتفاوت والبطالة أسباب عدم الاستقرار؟ Previous item صناع الفساد وشركاؤهم Next item كردم.. نداءات غامضة كتبت النص

هل الفقر والتفاوت والبطالة أسباب عدم الاستقرار؟

د. جاسم المناعي*

خلال الايام القليلة الماضية، بحث مؤتمر مؤسسة الفكر العربي (فكر 16)، موضوع تحديات الفوضى وصناعة الاستقرار.
وقد دعيت للتحدث فى هذا المؤتمر حول الظروف الاقتصادية مثل الفقر والتفاوت والبطالة وفيما اذا مثل هذه الظروف من شأنها احداث الفوضى وزعزعة الاستقرار. ونزولا عند رغبة بعض الزملاء، ارتأيت نشر هذا الحديث تعميما للفائدة.
بالرغم من ان الفقر والتفاوت والبطالة قد لا تكون بالضرورة أحد الاسباب او السب الرئيسي فيما شهدته بعض البلدان عربية او غير عربية من اضطرابات وعنف وعدم استقرار، إلا أنه مع ذلك لايمكن تماما استبعاد مثل هذه الاسباب والظروف الاقتصادية بشكل عام من ان تكون او قد ادت الى حالات من التذمر والعنف والفوضى.
هناك كما نعرف اسباب عديدة خاصة فى منطقتنا وراء الاحداث والاضطرابات والفوضى منها عدم تطور الانظمة السياسية بشكل يكفل حرية التعبير وحرية المشاركة السياسية كما يرجع بعضها الى ما تمارسه بعض الأنظمة من تسلط واستبداد، كما يرجع البعض منها الى الصراعات والتوترات المذهبية. فى مجتمعات أخرى والتي شهدت نوعاً من الاضطرابات واعمال العنف، يرجع ذالك الى تهميش بعض فئات هذا المجتمع كما يرجع ذلك فى حالات أخرى الى عدم قدرة هذه المجتمعات على دمج بعض فئاتها من المهاجرين كما حدث منذ بضعة سنوات فى احداث ضواحي باريس فى فرنسا وكما يحدث الان من وقت الى آخر فى دول اوروبية عدة.
بالتأكيد، فإن الفقر والتفاوت والبطالة فى اى مجتمع تمثل ضغوطاً نفسية واجتماعية كبيرة تؤدى بكثير من الافراد الى سلوك طريق العنف والتمرد وعدم قبول الوضع القائم. قد لا يمثل الفقر فى بعض البلدان مثل دول مجلس التعاون الخليجي ظاهرة هامة لكنه بالنسبة لدول عربية آخرى فإنه يطال شريحة كبيرة من المجتمع تستدعي الرعاية والاهتمام.
كلنا يتذكر الاضطرابات التي شهدتها بعض الدول العربية فى فترة ما بسبب رفع سعر الخبز أو بسبب تقليص الدعم والإعانات التي تخص الفقراء على وجه التحديد. كذالك لابد اننا نتذكر قصة محمد البوعزيزي  فى سيدي بوزيد فى تونس الذى أحرق نفسه بسبب منعه من الاسترزاق من خلال بيع الفاكهة والخضروات على ناصية الطريق ، الحادثة التي اشعلت ما تعارف على تسميته بالربيع العربي.
لابد كذالك ان نتذكر ونحن بصدد التطرق الى الفقر، الجهود التي تم بذلها من قبل بعض الدول العربية لمعالجة هذه الظاهرة. إلا أن التفاوت الكبير بين فئات المجتمع قللت من أهمية هذه الجهود . المغرب على سبيل المثال بذل جهوداً هامة فى محاربة الفقر ، إلا ان التفاوت بين فئات المجتمع ظل شاسعاً بشهادة المسؤولين وبشهادة ملك المغرب نفسه الذى اشار الى ان النمو الاقتصادي الذي حققه المغرب لم يعم حسبما يبدو جميع فئات المجتمع. .
على صعيد آخر، وفى مجال التفاوت، تطرق الاقتصادي الفرنسي توماس بيكتي الى هذا الموضوع فى كتابه الشهير “رأس المال فى القرن الواحد والعشرين”  والذي تناول فيه التفاوت المتزايد فى المجتمعات الغربية. وقد تطرق هذا الاقتصادي مؤخرا الى الوضع فى الشرق الاوسط من خلال مقال نشره فى جريدة “لوموند” الفرنسية والذي اشار فيه الى ان التفاوت بين الافراد فى دول الشرق الاوسط هو احد اسباب عدم الاستقرار وقد يكون حتى وراء الارهاب وليس بالضرورة التعصب الديني.
ان التفاوت فى المجتمعات العربية يرجع فى جزء منه الى طبيعة نموذج التنمية المتبع حيث أنه على الرغم من تحقيق هذا النموذج لمعدلات نمو جيدة بعضها وصل الى 5% و6% فى بعض الفترات الا ان هذا النمو لم تنل ثماره جميع فئات المجتمع بل العكس ادى الى اتساع الفجوة بين الفقراء والاغنياء الأمر الذي من شأنه خلق حالة من التذمر والاستياء من الاوضاع القائمة وبالتالي النزعة الى تغيير هذه الاوضاع وان كان ذالك عن طريق العنف والتمرد والفوضى.
ان اهم مظاهر تزايد التفاوت بين الطبقات الاجتماعية فى دولنا العربية هو تلاشي حجم الطبقة المتوسطة حيث لم يتبقى فى كثير من الحالات الا الطبقات الغنية والطبقات الفقيرة. وللأسف وحسب ما يبدو فأننا لم نتمكن حتى الان من تطوير أنظمة فعالة لشبكات الحماية الاجتماعية كما اننا لم نستطع تطوير نظم ضريبية عادلة كالضرائب التصاعدية لمعالجة التفاوت بين فئات المجتمع لكن ايضا التفاوت المتزايد بين المناطق الجغرافية المختلفة فى البلد الواحد.
وفى الواقع ما ينطبق على الفقر والتفاوت ينطبق ايضا على البطالة وتأثيرها فى نشر حالات اليأس والاحباط لدى افراد المجتمع. إن البطالة فى العالم العربي تعتبر مرتفعة تزيد عن 14% وهى تمثل ضعف هذه النسبة لدى فئات الشباب التى تتراوح اعمارهم بين 15-24 سنة. ولاشك أن طول فترة عدم الحصول على عمل او وظيفة من شأنه ان يؤدى الى توجه العاطل الى الانتقام من مجتمعه من خلال لجؤه الى تنظيمات تخريبية او حركات تمردية او حتى ارهابية.
لكن يبقى السؤال قائما هل بالفعل الفقراء والمهمشين والعاطلين عن العمل هم وراء القلاقل والتمرد والفوضى والارهاب؟ والجواب فى اعتقادي ليس بالضرورة، حيث أن كثيرا من الذين انخرطوا فى هذه الاعمال التخريبية والارهابية ليسوا بالضرورة فقراء او عاطلين عن العمل ولا هم حتى من مستوى تعليمي متدنٍ بل العكس
كثيرا منهم من عوائل ميسورة وذوي تعليم عالى ومتخرجين من اشهر الجامعات.
ان زعيم تنظيم القاعدة اسامه بن لادن  وزميله أيمن الظواهري  على سبيل المثال هم من عائلات ميسورة وذوي مستوى تعليمي ليس بالمتدني ولم يكن الفقر بالطبع هو دافعهم الى التمرد والارهاب. كذالك الافراد الذين قادوا او انخرطوا فى بعض ثورات المنطقة ليسوا بالضرورة من الفقراء كما انهم خريجي جامعات عريقة
على كل حال، فإن العلاقة بين الفقر والبطالة من جانب والتمرد والعنف من جانب آخر هى علاقة حسب ما يبدو جدلية، أى خاضعة للجدل حيث لايمكن تبرير كل ما يحصل من اضطرابات على انه فقط بسبب الفقر والبطالة لكن فى نفس الوقت من الصعب عدم اعتبار الفقر والبطالة أحد الاسباب الرئيسية لعدم الانسجام وعدم الترابط فى المجتمع الأمر الذي ينعكس فى كثير من الحالات فى شكل فقدان السلم والامن الاجتماعي فى المجتمعات المعنية بهذه الاوضاع

 

 

الدكتور جاسم المناعي هو الرئيس السابق لصندوق النقد العربي، عضو مجلس ادارة “بلوم بنك” حاليا