ايران:  متاعب الاقتصاد وتمرد النساء Previous item قاموس الأخلاق الجديد Next item النجار: الحداثة تحدٍ لا...

ايران: متاعب الاقتصاد وتمرد النساء

محمد فاضل العبيدلي

في 11 مارس الجاري، حذر وزير الداخلية الايراني عبد الرضا رحماني فضلي من “عودة وشيكة للاحتجاجات الشعبية المناهضة للنظام” محذرا من أن “شرارة واحدة تكفي لاندلاع الاحتجاجات من جديد”.

ورفض فضلي في مقابلة مع صحيفة “ايران” الحكومية ربط الاحتجاجات بالخارج قائلا ان “التحقيقات التي اجرتها الحكومة حول الاحتجاجات لم تحركها جهات خارجية” مضيفا ان “اسباب الاحتجاجات ما تزال قائمة وتمثل في عدم وجود رضا شعبي عن النظام في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية”.

وبعد يوم من هذه التصريحات، اي في 13 مارس، حذر القائد العام للحرس الثوري اللواء علي جعفري من أن “الاحتجاجات قد تندلع مجددا في أي لحظة”. ونسبت وكالة “انباء فارس” الى جعفري قوله امام مجلس خبراء القيادة بعد ان قدم لهم تقريرا عن اوضاع ايران “ان الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في ديسمبر الماضي كانت خطيرة” محذرا من ان الاحتجاجات “يمكن ان تثور في أي لحظة اذا لم تتم السيطرة على واقع التواصل الإجتماعي والفضاء الإلكتروني”.

وفي 15 مارس، نشرت صحيفة “ايران” مقابلة مع مسعود نيلي المستشار الاقتصادي للرئيس الايراني حسن روحاني،  وصف فيها الاحتجاجات التي عمت 75 مدينة ايرانية في ديسمبر الماضي بانها “قرصة” محذرا من ان “الآتي قد يكون أسوأ”.

وقال نيلي في مقابلته مع الصحيفة ان “مظاهرات الشعب كانت مجرد انذار وقد تتوسع رقعة الاحتجاجات بشكل أوسع وفي أبعاد أكبر، إن الأمور التي نراها في مقاييس صغيرة تقرع لنا أجراس الإنذار ففي المرة المقبلة قد نفقد الفرص”.

ماذا يجري في ايران؟ اذا فسرت هذه التصريحات بأنها مؤشر على استمرار الانقسام بين المتشددين وبين المعتدلين من انصار الرئيس روحاني وحكومته، فإن هذا قد لا يكون خطأ بالمطلق. وفي تصريح المستشار الاقتصادي مسعود نيلي ما يشير الى ذلك عندما حذر في مقابلته تلك التيارات المتصارعة في ايران بقوله ان “علينا ان نعترف ببعضنا البعض لكي نتمكن من اجتياز هذا المعبر الصعب وإلا سنواجه عواقب وخيمة تجعلنا جميعا نندم”.

رغم صدور التحذيرات من رموز محسوبة على المتشددين وعلى المعتدلين من وزراء ومسؤولي حكومة الرئيس روحاني على حد سواء، إلا ان الدوافع تبدو واحدة وعلى رأسها الوضع الاقتصادي.

فمع كل التأثيرات المترتبة على تذبذب اسعار النفط التي تشكل 70% من دخل ايران، والمتاعب الاقتصادية التي اشعلت احتجاجات ديسمبر الماضي، ومع معدل بطالة بلغ 11.90% في الربع الأول من هذا العام، ولا تبدو في الأفق مؤشرات لتحسن الأداء الاقتصادي. وحسب توقعات عالمية، فان معدل البطالة سيبقى في حدود 11.7% في نهاية العام.  أما نسبة التضخم فستبقى تراوح ما بين 9.70% في الربع الأول من العام و8.2% في الربع الأخير من العام.

يضاف الى هذا متاعب اخرى مع المزارعين الذين يحتجون على تحويل بعض الانهار او بعض فروعها من مناطقهم الى مناطق أخرى لمواجهة الجفاف الذي يضرب البلاد منذ سنوات.  آخر هذه الاحتجاجات هو ما قام به مزارعون في مدينة اصفهان أداروا ظهورهم لممثل المرشد الأعلى وخطيب الجمعة وهم يهتفون بهتافات معادية للنظام ولخامنئي وروحاني.

لكن الى الاقتصاد، أضيف عنصر جديد للقلق هو النساء. فمنذ ان خلعت الايرانية فيدا موفاهيد حجابها وعلقته على عصا في الشارع في احتجاجات شهر ديسمبر الماضي، اصبح ذلك الفعل الرمزي محركاً لاحتجاجات رمزية اخرى تقوم بها الايرانيات.

فمنذ ذلك الحين، توالى قيام نساء وفتيات ايرانيات بنفس الفعل الرمزي الذي قامت به فيدا وتوالت لقطات الفيديو التي ترينا نساء وفتيات ايرانيات يهتفن لحريتهن خصوصاً في وسائل المواصلات العامة. آخر هذه اللقطات كانت لثلاث فتيات يحتفلن بيوم المرأة العالمي في الثامن من هذا الشهر وهن حاسرات الرأس في مقطورة النساء في المترو.  بدأن بالانشاد ثم القين بياناً على جمهرة من النساء اللواتي بدا انهن استحسن ما سمعنه ورأينه. هل هذه مجرد تصرفات معزولة؟ لا يبدو ان الأمر كذلك.

ففي الثاني من مارس ايضا، اوقفت السلطات الايرانية 35 امرأة ايرانية حاولن حضور مباراة في كرة القدم بين منتخبي ايران وسورية. ورغم التفسير الذي قدمه الاتحاد الايراني لكرة القدم حول “خطأ فني” أدى الى بيع تذاكر لسيدات وقيام الشرطة بمنعهن من دخول الاستاد، إلا أن ما ارتبط بهذا الحدث يعطي مؤشرات لا صلة لها بالرياضة اطلاقاً.

فحسب تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية، فان الكثيرين عبروا عن دهشتهم وسعادتهم على موقع “تويتر”  لدى طرح تذاكر المباراة للبيع وانتشر وسم اطلق عليه “لدي تذكرة”.

وانطلقت دعوات قبل المباراة لتنظيم احتجاج للنساء أمام استاد “آزادي” للفت إنتباه رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني انفانتينو الذي حضر المباراة، الى الحظر المفروض على دخول النساء لملاعب كرة القدم منذ العام 1979.

لعل السلطات التقطت ما في حس التمرد المتنامي لدى النساء من خطر، فآثرت ارسال لفتات تهدئة وتصالح منها نشر  صور نساء ايرانيات رائدات في الشوارع مثل عالمة الرياضيات الايرانية مريم ميرزخاني التي تلقب بـ”ملكة الرياضيات” وهي أول إمرأة على الاطلاق تحصل على ميدالية “فيلدز” في الرياضيات وتوفيت في 2014 بعد اصابتها بسرطان الثدي وبخلاف ميرزخاني نشرت صور لنساء رائدات في الفيزياء وصورة لأول مصورة حربية ايرانية واول مخرجة سينمائية ايرانية..

وسواء ارتبطت تلك اللفتة بمجيء عمدة جديد لطهران خلفا للمتشدد محمد باقر قاليباف أم لا، ورغم الجدل الذي اعقب وضع الصور، وأيا كان الأمر، فإن التحذيرات التي اصدرها مسؤولون رسميون وتوالت في ثلاثة ايام فقط خصوصاً تحذيرات وزير الداخلية، لربما تعطينا مؤشراً لمزيج الدوافع الذي يمكن ان يحرك الايرانيين للاحتجاج. فاذا كان الاقتصاد هو الدافع الأبرز فان النساء بتن يمثلن تحديا جدياً لا يمكن التهوين من شأنه.