موجة ثانية للربيع العربي Previous item جاؤوا ليموتوا.. هل هذا حتمي؟ Next item دخان التعمية للتستر على القاتل

موجة ثانية للربيع العربي

محمد فاضل العبيدلي:

تساءل الكاتب الايراني المخضرم أمير طاهري في مقاله بصحيفة الشرق الاوسط 4 يناير: اذا كان العام 2012 قد عد بمثابة النسخة العربية للعام 1848 في اوروبا مثلما يلحظ الكثير من المراقبين، فهل سيكون العام 2013 هو النسخة العربية أيضا للعام 1852 الذي شهد انقلابات عسكرية في اوروبا؟

في الحقيقة، كثيرون غير طاهري طرحوا مثل هذا التساؤل، فالتشابه بين ربيع اوروبا في 1848 والربيع العربي في 2011 كبير الى الحد الذي يصح معه القول بأن التاريخ يعيد نفسه، لكن الصحيح أيضا ان النسخة الثانية من الحدث التاريخي عادة ما تكون مشوهة مثلما اثبت التاريخ ايضاً.

الثورة ضد الاستبداد، هي القاسم المشترك الرئيسي بين ما جرى في اوروبا عام 1848 وماجرى في العام العربي في 2011. لقد اجتذبت ثورات 1848 الأوروبية و2011 العربية طبقات مختلفة في النضال ضد الاستبداد. ففي اوروبا كانت الطبقة الوسطى الناشئة والعمال والفلاحين الجياع وراء ثورات 1838، لكن في النهاية ذهبت كل ثمار هذه الثورات الى البورجوازية الناشئة (بعد الثورة الصناعية) التي كانت تشارك فيها ايضا. وفيما مثل تدهور المحاصيل الزراعية في تلك السنوات وانتشار المجاعة دافعا قويا للثورات الاوروبية في ذلك العام، فإن الازمة الاقتصادية العالمية لم تكن سوى اشارة لليأس من امكانية حل المشكلات المزمنة مثل البطالة والفقر والفساد التي يعاني منها ملايين من العرب.

وعلى نحو ما، فإن النتائج بدت متشابهة بين ثورات 1848 الاوروبية و2011 العربية ايضا عندما حصد الاسلاميون الذين لم  يشعلوا الثورات بل التحقوا بها فيما بعد كل المغانم. المقارنة والتكهنات المطروحة الآن حول انقلابات عسكرية وحالة من عدم الاستقرار لا تفتقد للوجاهة مع ما يجري في دول الربيع العربي حيث اختطفت الثورات من قبل الاسلاميين الذين هم في الطريق لترسيخ دكتاتوريات ايديولوجية.

يعتقد الكثير من المراقين ان الجيش في كل من تونس ومصر قد يكون الامل الوحيد لوقف حالة الانقسام المتصاعدة في البلدين في ظل ضعف القوى السياسية والاجتماعية الاخرى مثل الليبراليين واليسار. قد يكون هذا صحيحا، لكنه يسقط من الحساب عنصرا اساسيا من معادلة الربيع العربي هم “الشباب”. الجيل الجديد في تونس ومصر ودول اخرى ممن فجروا الثورات.

 ان الربيع العربي بالاساس هو ثورة مدينية قامت بها شرائح من الفئات الوسطى، وهناك ما يكفي من الشواهد التي تثبت ذلك. فعندما أقدم محمد البوعزيزي على إحراق نفسه من أجل كرامته المهدورة في مدينة سيدي بوزيد في وسط تونس، إندلعت ردود الفعل والاحتجاجات من العاصمة تونس وليس من القرى والأرياف. وفي مصر، فإن أولئك الذي دعوا واحتشدوا في ميدان التحرير في 25 يناير 2011، كانوا شبانا وشابات من الفئة الوسطى وليس من الفلاحين الفقراء او عمال المصانع او اعضاء الاحزاب الايديولوجية.

انه جيل يعبر عن تمرده  بموسيقى الراب لا المؤلفات الايديولوجيات، منفتح ومشبع بالقيم الحداثية، لهذا (وفي كلا البلدين)، فإن خصومهم لم يجدوا ما يصفون به هذا الجيل الثائر سوى تلطيخ سمعتهم دوما عبر ربطها بالانحلال الاخلاقي.

يمثل الشباب ما بين ربع الى ثلث سكان بلدان الربيع العربي وبلدان عربية اخرى، لكن ليست الديموغرافيا فحسب ما سيبقي دوافع الثورة حية، بل الاقتصاد والسياسة ايضا.

فالاسلاميون الذين تسلموا السلطة عبر صناديق الاقتراع ليس لديهم نموذج تنمية اقتصادي/اجتماعي خاص بهم ولديهم حساسية قليلة حيال العدالة الاجتماعية تتجاوز مبدأ الزكاة. وبينما اثبت التاريخ ان الايديولوجيا قد فشلت في كل مكان في العالم، فان كل ما يجري في تونس ومصر  يشير دون ريب الى ان الاسلاميين لم يتعلموا من التجربة الانسانية وبقوا معزولين في أحلامهم الايديولوجية التي تقودهم الان لبناء دكتاتوريات بإسم الدين. فالمعركة حول الدستور الجديد في مصر اظهرت ان الاسلاميين متهلفين الى اخضاع البلد باكملها على مقاس أساطيرهم الايديولوجية أكثر من بناء دولة عصرية معافاة تتسع لجميع مواطنيها. والسلطة بالنسبة لهم ليست سوى الوسيلة المثلى والضرورية للقسر.

لن يدفع هذا الاجيال الشابة للتكتل مجددا ضدهم فحسب، بل ايضا اجيال اكبر من اولئك الذين ناضلوا لعقود طوال للتخلص من الاستبداد خصوصا الفئة الوسطى من سكان المدن. لكن الاسلاميين يعتمدون على قطاع واسع من السكان المحافظين بطبيعتهم والمتدينين. هؤلاء ليسوا مناصرين لاطروحات الاسلاميين بالضرورة الا في تلك العموميات التي تعلي من الفضيلة والقيم الدينية. لهؤلاء فان الحريات الفردية والعامة وحرية التعبير وحتى الاداء الاقتصادي السيء قد لا تمثل دوافع للثورة ضد الاسلاميين او حتى اسقاطهم عبر صناديق الاقتراع. هنا، نكون قد وصلنا عند هذه النقطة الى ذلك الصراع الطويل والمرير الذي فرض نفسه على البلدان العربية منذ القرن التاسع عشر، أي الصراع ضد الحداثة، فلا عجب ان كان البعض يرى في وصول الاسلاميين للسلطة هزيمة للحداثة.

إنه فصل آخر من هذه المعركة الطويلة التي دفعت المجتمعات العربية لأن تعيش حالة من الانفصام. وبهذا المعنى، فإن الربيع العربي ليس سوى المرحلة الاولى في نضال طويل من أجل التعافي من هذا الانفصام. في هذا النضال، فان الجيل الشاب من العرب سيكون في الصدارة. لقد اشعلوا هذه الثورات وقدموا الضحايا والأهم انهم القوة الاجتماعية القوية الوحيدة التي ستتحمل كل أعباء الاستبداد الجديد.