•محمد الشحي
يعيش حلف شمال الأطلسي، هذه الأيام، في حالة ترقب قصوى نتيجة قيام القوات الروسية، العدو التاريخي للحلف، بغزو أوكرانيا. ويعد توسع هذا الحلف الدفاعي الأمريكي-الأوروبي أحد أسباب هذا الغزو الروسي.
يجد الحلف نفسه في قلب الحدث وأحد المسؤولين عن الرد الغربي على هذا العدوان الذي طال إحدى الجمهوريات السوفييتية السابقة.
فمنذ تأسيسه عام 1949، يعد حلف شمال الأطلسي الركيزة الأساسية للأمن والدفاع الجماعي في أوروبا. وإذا كان هذا الحلف قد ولد في سياق الحرب الباردة والمواجهة بين القطبين الأمريكي والروسي، فقد تمكن من البقاء، بل والتمدد منذ ذلك الوقت، على النقيض من منافسه حلف وارسو، الذي تفكك ولم يعد موجوداً منذ يوليو/تموز 1991.
حلف شمال الأطلسي (الناتو) هو منظمة سياسية وعسكرية في آن معاً، تهدف إلى تأمين حرية وأمن الأعضاء المنتمين له، بالوسائل السياسية والعسكرية.
فضمن “مفاهيمه الاستراتيجية”، التي أعلن عنها في 2010، أعاد الحلف التأكيد على التزام الدول الأعضاء بالدفاع المشترك ضد أي هجوم، إضافة إلى احتواء أي أزمة بالتنسيق مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ورغم تأكيد الحلف أن هدفه هو الوصول إلى “عالم خالٍ من الأسلحة النووية” إلّا إنه يعتبر حالياً “حلفاً نووياً”.
لقد ضم الحلف عند تأسيسه عام 1949، الولايات المتحدة وكندا إضافة لدول أوروبا التي كانت تقع إلى الغرب من “الستار الحديدي”: بلجيكا، الدانمارك، فرنسا، إيطاليا، المملكة المتحدة، هولندا، إيسلندا، النرويج، لوكسمبورغ والبرتغال. وانضمت اليونان وتركيا عام 1952، ثم المانيا الغربية في 1955، والتي كان انضمامها سبباً مباشراً لتأسيس حلف وارسو سنة 1955. أمّا إسبانيا فقد انضمت إلى الحلف سنة 1982، بعد وفاة الجنرال فرانكو بعدة أعوام (1975) وعودة الديموقراطية.
بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في 1991، واستقلال عدة دول من أوروبا الشرقية، والتي رغبت بدورها، بأن تكون تحت الحماية الغربية لشعورها بالتهديد الروسي، انضمت كل من بلغاريا وإستونيا وليتوانيا ولاتفيا وسلوفاكيا وسلوفينيا في 2004، ثم البانيا وكرواتيا في 2009، و مونتينيغرو في 2017، و أخيراً مقدونيا الشمالية في 2020.
مسؤولية الحلف عن غزو أوكرانيا
إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو المسؤول الأوحد عن غزو أوكرانيا، فإن حلف شمال الأطلسي يواجه اتهامات من البعض بأنه مسؤول عن هذا الغزو، وذلك لأن سياسة التوسع التي اتبعها الحلف بعد نهاية الحرب الباردة، ساهمت في احتواء روسيا وعزلها على المستوى الأوروبي، بل وبث شعوراً لدى روسيا بوجود تهديد على حدودها.
ظهر هذا التخوف في مناسبات عدة عبرت عنها الطلبات المتكررة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعدم ضم أوكرانيا للحلف التي تقدمت بطلب العضوية منذ سنوات لكنه لم يناقش بعد من قبل الحلف.
ومنذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، حشد حلف شمال الأطلسي جهوده من أجل تقديم المساعدة للحكومة الأوكرانية لكن من دون أن يسمح بتدخل قوات الحلف.
لقد تحولت أوكرانيا خلال السنوات الأخيرة نحو الغرب. فأهدافها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، مدونة في دستورها، لكن حتى الوقت الحاضر، فان أوكرانيا تعتبر من الدول الشريكة للحلف، بمعنى أنه يمكن السماح لها، في المستقبل بالانضمام للحلف. لذلك تسعى روسيا للحصول على ضمانات من الدول الغربية بعدم حصول هذا الأمر، خاصة وأن لدى أوكرانيا حدوداً مشتركة مع روسيا ومع الاتحاد الأوروبي. فمن ناحية استراتيجية، يعتبر الكرملين أوكرانيا بمثابة الحديقة الخلفية لروسيا. وهذا ما أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقوله إن أوكرانيا “في الحقيقة جزء من روسيا”.
من ناحية أخرى، ترفض الولايات المتحدة وحلفاؤها استبعاد أوكرانيا من الحلف، متعللين بأن أوكرانيا دولة ذات سيادة ويجب أن تتمتع بحرية اختيار شركائها الأمنيين.
لقد قامت الولايات المتحدة بإرسال قوات إلى رومانيا وبولندا من أجل تعزيز الحدود الشرقية لحلف شمال الأطلسي. كما قامت بإرسال صواريخ مضادة للدبابات من نوع “جافلين” وصواريخ مضادة للطائرات من نوع “ستينغر” إلى أوكرانيا، وسمحت لدول أخرى أعضاء في الحلف بتزويد أوكرانيا بأسلحة أمريكية.
لا يستطيع حلف شمال الأطلسي التدخل بشكل مباشر في أوكرانيا، وفقاً للبند الخامس من اتفاقية الحلف، التي تقول إن أي اعتداء على دولة عضو يعتبر اعتداءً على باقي الأعضاء، وذلك لأن أوكرانيا ليست دولة عضو في حلف شمال الأطلس بعد.
*الدكتور محمد الشحي أكاديمي إماراتي عمل نائباً لمدير عام جامعة “باريس – السوربون” في ابوظبي سابقاً (2007-2009)، وممثل عسكري سابق لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى حلف شمال الأطلسي (الناتو)