من ساحة الحرية في بغداد الى ساحة رياض الصلح في بيروت وكل المدن المنتفضة في العراق ولبنان، لا يتعلق الأمر بالفقر والمعيشة فحسب، بل بطبقات سياسية متخادمة ومتواطئة في الفساد وصناعته باتت بمواجهة غالبية من سكانها الشباب الذين باتوا يمثلون نحو %60 من سكان البلدين. وللمرة الأولى تواجه القوى الطائفية المهيمنة في كلا البلدين تحدياً مضاعفاً مع فقدانها التأييد التقليدي من حواضنها الشعبية. هذا الملف سيكون بداية للتعاطي مع ما يجري في كل من العراق ولبنان٫ متابعة وتحليلاً. في هذا الملف تكتب ميرا عبدالله عن ثورة الشباب اللبنانيين فيما يكتب دلوفان برواري عن ثورة شباب العراق.
محمد فاضل العبيدلي
قابعاً في المرتبة 168 من بين 180 دولة في مؤشر الفساد العالمي للعام 2018 مع ارهاصات عديدة واضحة حتى وقت قريب جداً، يصعب القول ان احتجاجات الشبان العراقيين كانت مفاجأة سواء للنظام والطبقة السياسية في العراق أو للخارج. يسري الأمر نفسه على لبنان (ومع فوارق المقارنة) الذي يتربع في المركز 138 من أصل 180 بلدا في المؤشر نفسه.
أبعد من هذا، فإن ارهاصات هاتين الثورتين كانت أوضح وأقوى من ان يتم تجاهل كل النذر المتصاعدة بحدوثهما حيث سبق ان انتفض شبان البلدين حتى وقت قريب جداً ضد انعدام الفرص لمواطني البلدين وسياسات الافقار والفساد المستشري في أجهزة الدولة والمحاصصات الطائفية والحزبية. لكن في كلا البلدين، تهيمن طبقة سياسية “متخادمة” فقدت كل إحساس بالمسؤولية تجاه المواطنين والبلد نفسها وغرقت حتى أذنيها وبشكل مفضوح في فساد أصبح جزءاً من صميم الحياة اليومية في العراق ولبنان.
لم تكترث الطبقة السياسية في كلا البلدين للإحصاءات والأرقام (باستثناء أرقام حصصها في نهب وسرقة المال العام وتقاسم المغانم) التي توضح بجلاء ان الغالبية العظمى من سكان البلدين هم تحت 55 سنة وغالبهم شباب في الفئة العمرية ما بين 15 الى 45 حيث تمثل هذه الفئة 58.8 %من سكان لبنان، واذا اضيف لها نسبة 25.1% من السكان في سن 0 الى 14 سنة تصبح النسبة 83.9% من إجمالي السكان البالغ 6 ملايين و 845 ألفاً و226 نسمة.
أما في العراق، فمن بين 39 مليون نسمة، يمثل السكان تحت 55 سنة نسبة كاسحة تصل الى 92.6% من بينهم 35.1% من الفئة العمرية ما بين 25 الى 54 سنة و37.7% في الفئة العمرية ما بين 0 الى 14 سنة، في حين تبلغ نسبة الفئة العمرية 15 الى 24 سنة 19.8%. وبعبارة أخرى فان السكان العراقيين من الفئة العمرية ما دون 25 سنة يمثلون 57.5% . ولمن يحسن قراءة الأرقام من ساسة العراق، سيجد ان النسبة الأكبر من سكان العراق هم من الأطفال (37.7%)، اي دون الخامسة عشرة من العمر[1].
أبعد من هذا، ليس في سجل حكام العراق أي منجز اقتصادي، بل على العكس فان الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ 208 مليار و595 مليون دولار في العام 2017 يـأتي منخفضاً بنسبة %2,07عن مثيله في العام 2016 الذي بلغ فيه 213,011 مليار دولار.
وحسب إحصاءات الأمم المتحدة، فان 7 ملايين عراقي يمثلون %23 من السكان يعيشون في الفقر ينفقون اقل من 2.2 دولار للشخص الواحد في اليوم. ومن بين كل 4 عراقيين يشير 3 منهم الى ضرورة خفض معدلات الفقر باعتبارها الحاجة الأكثر الحاحاً، فيما بلغت نسبة البطالة حوالي %14.8[2].
تبدو الأمور اكثر سوءا في لبنان الذي تبلغ نسبة البطالة فيه %6.84، اذ يشير الاقتصادي السوري سمير العيطة الى أن الدولة اللبنانية “أفلست عملياً وبالتالي لم يعد البلد قادرا على استيراد متطلباته الأساسية -والكمالية حكماً- الا بصعوبة” ثم يتساءل “كيف ستتم إدارة هذا الإفلاس بين ضرورة نهوض المجتمع ونزاعات الأطراف السياسية؟[3]“.
يطرح العيطة المزيد من الاسئلة الشائكة “من هو القادر على (“توزيع الخسائر”) واسترداد المقومات المالية للبلاد من الخارج، بما فيها الذهب الذى يغطى النقد والذى تم رهنه فى (“الفبركات المالية”) التي أخرت انفجار الأزمة إلى أجلها الآن؟ من الذى سيدفع الخسارة؟ هل الشعب اللبنانى أم أصحاب المصارف أم (“سلطة ما فوق الدولة”) التي استغلت موارد لبنان الداخلية والخارجية طويلا كي تجلِب ريوعاً مكن تقاسمها من هيمنة زعماء الحرب على مقادير البلاد؟”.
المصاعب الاقتصادية والمعيشية التي يعيش في أتونها العراقيون واللبنانيون، ليست سوى تعبير عن وضع سياسي ملوث بالفساد من كل الأشكال وصيغة محاصصات طائفية منذ 1943 انتهى تاريخ صلاحيتها منذ زمن بعيد في لبنان رغم جرعة الإنعاش التي تلقتها في 1989 وصيغة مستنسخة عنها في العراق منذ 2003.
على هذا النحو ومن منظور تاريخي فحسب، تبدو ثورات الشباب في العراق ولبنان وتلك المستمرة في الجزائر والتي أطاحت نظام الإخوان المسلمين في السودان قبل شهور، مثل تحركات للطبقات السفلى من باطن الأرض والتي لا تفعل سوى ان تقوم بخلخلة وإزالة “الطبقة التكتونية” على السطح، تماما مثلما تفعل الزلازل.
[1] جميع الإحصاءات السكانية في المقال من موقع: www.worldometers.info
[2] انظر: https://tradingeconomics.com/iraq/unemployment-rate
[3] انظر: سمير العيطة “لبنان ينتفض.. وماذا بعد؟”، صحيفة الشروق المصرية، الرابط: http://bit.ly/34ulKtv