أميركا وانتخابات الآخرين Previous item مختبر الفلسفة والفكر... Next item السودان: كسر الحلقة الجهنمية

أميركا وانتخابات الآخرين

محمد الصياد

أقامت أميركا الدنيا ولم تقعدها على ما ادعته تدخلاً روسياً في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016، تسبب في هزيمة هيلاري كلينتون وفوز دونالد ترمب بها، وان الرئيس ترمب وصهره وطاقم حملته الانتخابية متورطون في هذه “المؤامرة. لكن، بعد 16 شهراً من التحقيقات التي أجراها المحقق الخاص روبرت مولر وفريقه، والتي كلفت الخزينة الأمريكية 25 مليون دولار (بعض التقديرات أشارت الى 35 مليون دولار)، خلص التقرير النهائي لفريق التحقيق بأنه لم يعثر على ما يثبت تورط الرئيس مع روسيا في تجيير الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 لصالحه.

ومع ذلك، ورغم خسارة الديمقراطيين لهذه القضية التي عوَّلوا عليها كثيرا لتوجيه الاتهام للرئيس وبدء اجراءات عزله، الا أنهم لازالوا حتى اليوم، ومعهم أجهزة الميديا المناوئة للرئيس ترمب، مثل صحيفة  “واشنطن بوست” التي يملكها البليونير المعادي لترمب جف بيسوس، وصحيفة “نيويورك تايمز” ومحطة “سي إن إن” الاخبارية، يواصلون من آن لآخر إعادة العزف على هذه الاسطوانة التي أعطوها “اسما رمزيا” موحياً هو “راشياغيت” للإشارة الى القضية التي يصفونها بالفضيحة السياسية والأخلاقية.

لكن، وكما يقول المثل الشعبي “الجمل لا يرى اعوجاج رقبته”، فالولايات المتحدة التي أزكمت رائحة تدخلاتها السافرة والمستترة، في انتخابات بلدان الكرة الأرضية قاطبة، أنوف قاطنيها القريبين والبعيدين، هي في هذه الحالة ذلكم الجمل الذي لا يرى اعوجاج رقبته!

في سابقة، لا تحدث الا نادرا في تيار الاعلام الأمريكي السائد، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” في 17 فبراير/شباط 2018، مقالا كتبه سكوت شين الذي غطى من موسكو التحولات الدرامية التي أطلقها هناك الرئيس الروسي الأسبق ميخائيل غورباتشوف باسم “البريسترويكا” و”الغلاسنست” (كلمة روسية تعني الشفافية والتحدث بحرية بصوت مسموع). وكان شين  قد غطى تلك الأحداث الكبرى من موسكو خلال الفترة من 1988 الى 1991 لصالح صحيفة “ذي بالتيمور صن”. المقال حمل عنوان “روسيا ليست الوحيدة التي تتدخل في الانتخابات. نحن نفعل ذلك أيضا”، وكان عبارة عن عرض تفصيلي لقائمة التدخلات الأمريكية عبر وكالة الاستخبارات الأمريكية “سي آي أيه.” في الانتخابات التي جرت في عديد البلدان، بما فيها روسيا.

ومع أن المقال، في محاولة للتقليل من شأن كوارث التدخلات الأمريكية في شؤون الآخرين، ومنها الانتخابات، وذلك على جري عادة الاعلام السيَّار الناطق باسم النخبة الحاكمة في الدفاع الأعمى عنها وعن مصالحها، ينقل عن لسان اثنين من قدماء جواسيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، قولهم “إن التدخلات الأمريكية كانت لأغراض تعزيز الديمقراطية الليبرالية، على عكس تدخلات روسيا الضارة في الانتخابات الأجنبية”.

 

سرديات الحرب الباردة

الا أن ذلكم الكلام المُخاتل الذي يذكّر بسرديات الحرب الباردة، التي كانت السي آي أيه، تعمد بموجبها، وبكل خفة، لإدراج تدخلاتها الانتخابية ضمن طائفة “عمليات التأثير” التي تزعم أن مختلف وكالات الاستخبارات العالمية مثل الاستخبارات الاسرائيلية والفرنسية والبريطانية والصينية والهندية، تمارسها؛ ولكأن وضعها جميعا في سلة واحدة، يشرعنها ويمنحها صكوكا شرعية.  مع ذلك، يمكن القول، إن المقال إياه شكّل اضافةً توثيقية مهمة لجانب من التاريخ الجنائي الدولي لوكالة الاستخبارات الأمريكية، متعلق هذه المرة بتدخلاتها في “اعادة تصنيع وإعادة انتاج” الحكومات الموالية والطيِّعة في جميع أنحاء العالم عبر صناديق الاقتراع.

والوقائع على الأرض تؤكد أن تلك التدخلات قد أدت الى كوارث راح ضحيتها الملايين، والى تدمير اقتصادي واجتماعي شامل. فلقد كان الهدف الرئيسي من تلك التدخلات الانتخابية، قطع الطريق على الناخبين والأحزاب السياسية اليسارية والتقدمية من تحقيق أي نصر يمكن أن تنجم عنه ترتيبات اقتصادية وهيكلية إدارية لها انعكاسات سلبية على التواجد العسكري الأمريكي وعلى مصالح الشركات الأمريكية العابرة للجنسية في تلك البلدان محل التدخلات.

في المناسبات النادرة التي فشلت فيها جهود وكالة الاستخبارات المركزية لتجيير نتائج الانتخابات لصالح من تدعمهم الولايات المتحدة، كما حدث في انتخابات غواتيمالا في عام 1950 التي فاز فيها جاكوبو أربينز غوزمان، وكما حدث في تشيلي في انتخابات عام 1970 التي فاز فيها الطبيب والسياسي اللامع في أميركا اللاتينية سلفادور الليندي، لجأت المخابرات الأمريكية الى تدبير انقلابين دمويين، الأول في عام 1954 وحمل اسما “رمزيا”، دبرته بالتعاون مع شركة “الفواكه المتحدة”  وبدعم من وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون فوستر دالاس، وأطاحت فيه بالرئيس الغواتيمالي المنتخب جاكوبو أربينز غوزمان، وهو ما مكّن الشركة الأمريكية من إعادة استحواذها من جديد على مزارع البلاد التي فقدتها في برنامج الاصلاح الزراعي الذي نفذته حكومة غوزمان؛ والثاني في عام 1973 في تشيلي، حيث دبرت الوكالة انقلابا عسكريا دمويا، تمت فيه تصفية رئيس البلاد المنتخب الليندي، وتنصيب رجلها الجنرال أوغستو بينوشيه مكانه. تحولت شيلي في عهد بينوشيه الى اختبار لرأسمالية النسر التي ابتكرها “شيكاغو بويز”، وهم مجموعة من الاقتصاديين التشيليين الذين درسوا على يدي اقتصادي المحافظين الجدد ميلتون فريدمان بجامعة شيكاغو. أطلق فريدمان على سياسات التحرير الاقتصادي الضخمة للسوق التي نفذها نظام بينوشيه “معجزة شيلي”. بيد أن تحقيقا أجرته لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكي، خلص الى أن هذه السياسات التي نفذت بتواطؤ مع وكالة الاستخبارات المركزية، أفضت الى الغاء التعريفات الجمركية على الواردات، وتنفيذ عمليات بيع واسعة وبالجملة للشركات والمرافق العامة المملوكة للدولة، وتخفيض الضرائب، وخصخصة نظام التقاعد الحكومي، وإلغاء التنظيم الصناعي.

قبل ذلك، وفي تشيلي أيضا، وقبيل اجراء الانتخابات الرئاسية في 4 سبتمبر/ ايلول 1964، اكتشفت جبهة العمل الشعبي اليسارية المعارضة، التي كانت قد دفعت سلفادور الليندي، مرشحا لها في مواجهة مرشح الحزب المسيحي الديمقراطي إدواردو فراي مونتالفا، أن القائم بالأعمال في السفارة الأميركية في تشيلي، جوزيف جوفا، كان يقدم الدعم والمساعدة لمرشح الحزب المسيحي الديمقراطي، الذي تمكن بمساعدة السي آي أيه من التغلب على الليندي.

في نيكاراغوا، أمَّن تدخل وكالة الاستخبارات الأمريكية في الانتخابات عام 1990، فوز المعارضة بزعامة السيدة فيوليتا باريوس دي تشامورو فيها على حكومة الساندينيستا بقيادة دانييل أورتيغا.

وتكرر هذا التدخل في الانتخابات الصربية عام 2000، التي أخرجت الرئيس سلوبودان ميلوسيفيتش من السلطة ومهدت الطريق لإلقاء القبض عليه من قبل السلطة التي أوصلتها واشنطن للحكم بتهم الفساد وإساءة استخدام السلطة والاختلاس. وحين وصلت الحكومة الجديدة الى طريق مسدود بسبب عدم وجود أدلة تدين رئيس البلاد السابق، قام رئيسها زوران جينجيتش في 24 سبتمبر/ايلول 2000، بتسليمه الى حلف الناتو الذي دمر يوغسلافيا وقسَّمها، حيث أودعه الحلف السجن في لاهاي بهولندا تحت مسمى المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا، ليحاكم بتهمة ارتكاب جرائم حرب. ومنذ بداية محاكمته لم يعترف ميلوسوفيتش بالمحكمة وأدان تشكيلها واجراءاتها، واعتبرها غير قانونية، لأنها لم تُنشأ بموافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولذا فقد رفض تعيين محام للدفاع عنه، وتكفل هو بالدفاع عن نفسه طوال المحاكمة التي استمرت خمس سنوات والتي انتهت دون حكم عندما توفي في زنزانته في لاهاي في 11 مارس/آذار 2006.وقد دشنت عملية إسقاط ميلوسيفيتش، أول تعاون واضح في التدخل الانتخابي بين وكالة الاستخبارات المركزية وكوادر معهد “المجتمع المفتوح لصندوق التحوط الدولي” التابع لأخطبوط المال الأمريكي جورج سوروس.

في عام 2009، حاولت وكالة الاستخبارات المركزية منع إعادة انتخاب الرئيس الأفغاني حامد كرزاي. إلا أن محاولتها لم تنجح، لكن الرجل الذي لطالما كان وفيا لواشنطن التي يدين لها بالفضل في الجلوس على عرش السلطة في كابل، اشتكى فيما بعد بمرارة من تدخل وكالة المخابرات المركزية في تلك الانتخابات.

فيما يتعلق بروسيا، يبرز اسم السفير الأمريكي السابق في موسكو، مايكل ماكفول الذي يحل ضيفا دائما على شبكة “إم سي ان بي سي”التلفزيونية الأمريكية. فمع أن المحطة الاخبارية تقدمه للمشاهدين باعتباره خبيرا في الشؤون الروسية، إلا أنه لم يذكرأبدا كيف قام بتحويل  حوالي 6.8 مليون دولار من أموال الـ “السي آي أيه”، عبر الصندوق الوطني للديمقراطية، وفرعيه، المعهد الجمهوري الدولي للحزب الجمهوري والمعهد الوطني الديمقراطي للحزب الديمقراطي، إلى قادة المعارضة الروسية مثل أليكسي نافالني. كما لم يذكر السفير الأمريكي السابق (الخبير في الشؤون الروسية)، انه استضاف اجتماعات المعارضة الروسية في السفارة الأمريكية في موسكو، وانه تجاهل تحذيرات من أن التحالف الحزبي الذي شكله نافالني ضم العديد من النازيين الجدد، المناوئين للمهاجرين المتحدرين من مناطق الجنوب الروسي. حتى أن بعض الصحفيين الأمريكيين، من خارج تيار اعلام الموالاة، شبهوا نافالني بالنسخة الروسية من ديفيد ديوك، القائد السابق للجماعة العنصرية الأمريكية “كو كلوكس كلان“، مثلما لم تذكر وسائل الإعلام الأمريكية أن وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الخارجية نقلتا حوالي 5 مليارات دولار إلى أوكرانيا من أجل تشكيل حكومة موالية للولايات المتحدة فيها.

هل انتهينا، كلا بطبيعة الحال، فملفات ال”سي آي أيه”، تزخر بأمثلة عن تدخل الوكالة في انتخابات العديد من البلدان، مثل انتخابات الولايات في الهند وألمانيا الغربية، وانتخابات المحافظات في أستراليا وكندا واليابان. ففي الخمسينيات من القرن الماضي، قدمت وكالة الاستخبارات المركزية دعماً هائلاً للديمقراطيين المسيحيين في ألمانيا الغربية، بقيادة كونراد أديناور، المستشار المؤسس لجمهورية ألمانيا الاتحادية. كما بذلت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية  قصارى جهدها لإقصاء الاشتراكيين الديمقراطيين في ألمانيا الغربية.

في عام 1967، اتهم وزير الخارجية الهندي إم. سي. تشاغلا  وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “بالتدخل” في انتخابات الهند، وذلك من خلال تقديم الدعم المالي و”اللوجستي” للأحزاب المعارضة لحزب المؤتمر الهندي الحاكم. واستهدفت الوكالة بشكل خاص الأحزاب الشيوعية في ولايتي البنغال الغربية وكيرلا.وفي تفس العام، اتهم رئيس الوزراء الكندي السابق جون ديفينباكر
من حزب المحافظين، بأن أموال السي آي إيه، استخدمت لدعم الحزب الليبرالي، الأمر الذي ساهم في خسارة ديفينبكر للانتخابات العامة التي أجريت خلال الفترة ما بين مايو 1962 ويونيه 1963. وقد اكتشف رئيس الوزراء الكندي الذي خلف ديفينبكر في منصبه، وهو ليستر بيرسون
من الحزب الليبرالي، أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية قدمت أموالا إلى اتحاد الطلاب الكنديين المؤيدين للحزب الليبرالي خلال عامي 1965 و 1966.

في نيوزيلندا، فعلت وكالة المخابرات المركزية كل ما في وسعها للحيلولة دون إعادة انتخاب حكومة حزب العمال النيوزيلندي بزعامة ديفيد راسل لانج رئيس وزراء نيوزيلندا خلال الفترة من 1984 الى 1989 (تُوفي سنة 2005)، في الانتخابات التي جرت في 15 أغسطس/آب 1987، فقدمت دعماً دعائياً للحزب الوطني المعارض، الذي كان قد وقف بوجه سياسة لانجه المتمثلة في منع دخول السفن الحربية المسلحة نووياً والأسلحة النووية إلى نيوزيلندا. وضمنت السي آي أيه وسائل الإعلام الموالية لأميركا في نيوزيلندا التي استفادت آنذاك من معدل البطالة الذي بلغ 6%، والدين الخارجي للبلاد الذي شكّل نصف الناتج المحلي الإجمالي، وعجز الموازنة الذي بلغ مليار دولار. كما استخدمت سلاح العنصرية في محاولتها حرمان حزب العمال النيوزيلندي من الدعم التقليدي الذي يحصل عليه الحزب من شعب الماوري، السكان الأصليين لنيوزيلندا.

في البرازيل، شهدت الفترة ما بين عامي 1965 و 1967، افتضاح أمر محطة السي آي أيه على أراضيها، حيث كانت تعمل بالتعاون مع “الاتحاد الأمريكي للعمل واتحاد المنظمات الصناعية في الولايات المتحدة”  وذراعه الدولي، “المعهد الأمريكي لتطوير العمالة الحرة”، حيث ضُبطت وهي تتدخل في الانتخابات النقابية في البرازيل، إذ كان مكتب ساو باولو التابع لـ”المعهد الأمريكي لتطوير العمالة الحرة”، يواظب على تقديم مدفوعات نقدية للمسؤولين البرازيليين لإجراء انتخابات نقابية فاسدة في قطاع البترول البرازيلي. واكتشف مسؤول نقابي في ساو باولو قائمة مفصّلة برشاوي وكالة المخابرات المركزية للمسؤولين البرازيليين، ومنها: دفع مكافأة قدرها 156.25 دولار لجوزيه عبود مقابل تعاونه معها؛ وتقديم دفعة مالية خاصة قدرها 875.00 دولار إلى خورخي إم فيلهو من وزارة العمل؛ والتبرع لأحد مخبري الوكالة، بنفقة رحلة قدرها 56.25 دولار؛ ودفع نفقات نسخ كتب ووثائق اتحاد البترول قدرها 100 دولار؛ وتقديم مبلغ نقدي قدره 149.64 دولار لكل من غيديز و افراسيو لمساعدتهما على هزيمة لويس فورتادو من اتحاد سوزانو.

 

إفعل كما أقول لا كما أفعل

وهكذا تطول قائمة التدخلات الأمريكية عبر أجهزتها الأمنية البلغ عددها اليوم 17 جهازا استخباراتيا وصل اجمالي ميزانياتها في عام 2015 الى 66.8 مليار دولار [1] هي على التوالي:مكتب مدير المخابرات الوطنية، وكالة المخابرات المركزية، وكالة الأمن القومي، وكالة المخابرات الدفاعية، مكتب التحقيقات الفدرالي، وزارة الخارجية – مكتب الاستخبارات والبحوث، وزارة الأمن الداخلي – مكتب الاستخبارات والتحليل، إدارة مكافحة المخدرات – مكتب مخابرات الأمن القومي، وزارة الخزانة – مكتب الاستخبارات والتحليل، وزارة الطاقة – مكتب الاستخبارات ومكافحة التجسس، وكالة الاستخبارات الجغرافية المكانية، مكتب الاستطلاع الوطني، المخابرات الجوية والمراقبة والاستطلاع
المخابرات العسكرية للجيش، مكتب المخابرات البحرية، مخابرات سلاح مشاة البحرية، مخابرات خفر السواحل.

غنيٌ عن القول، أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست مهمة فقط للعالم، بحسبانها الدولة العظمى الأولى في العالم، وإنما هي أعظم أهمية بحسبان توهج مجتمعها العلمي والتكنولوجي (الإبداعي) والأكاديمي والثقافي والفني، الذي قدم للعالم المعاصر، انجازات عظيمة لا تقدر بثمن. ولذلك يمكن للمرء أن يتفهم حجم الحنق والغضب الذي عبرت عنه مختلف أوساط المؤسسة الأمريكية الحاكمة على ما اعتبرته تدخلا روسيا في الانتخابات الأمريكية الرئاسية لعام 2016، والذي تسبب في خسارة مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون وفوز مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترمب، على ما يصر حتى اليوم معظم كبار قادة الحزب الديمقراطي.

بيد أن للقضية وجهٌ آخر، فالولايات المتحدة هي من بدأ هذه “اللعبة”، “لعبة” التدخلات السافرة والأخرى المستترة في شؤون الدول الأخرى، وبضمنها الانتخابات المحلية – هي من بدأ ادخالها في فضاء العلاقات الدولية، والتي من مفارقاتها أن الولايات المتحدة، كانت أكبر مساهم في وضع قواعدها وضوابطها المؤسسة على مبدأ السيادة، وهي قواعد وضوابط نص عليها ميثاق الأمم المتحدة، وبضمنها مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وممارسة حقها السيادي الوارد في الفقرة 7 للمادة 7 من الميثاق. لما كان ذلك، يصبح من نافلة القول أيضا، أنهإذا كانت الولايات المتحدة تريد حقا وقف التدخل الأجنبي في انتخاباتها، فسيتعين عليها أن تكون أول من يدافع عن هذه السياسة ويلتزم بها. وكما هو الحال مع معاهدة حظر التجارب النووية، واتفاقية التخلص من الأسلحة البيولوجية والكيميائية، ومعاهدة حظر الأسلحة في الفضاء الخارجي، فقد يتوجب على الولايات المتحدة أن تدعو إلى عقد معاهدة دولية لحظر التدخل في الانتخابات بجميع أشكاله، بما يشمل الحد من اللجوء للهجمات الإلكترونية، والدعاية، والتلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي، وتمويل الأحزاب السياسية الأجنبية. ومن دون هذا الالتزام، سوف ينطبق على الاحتجاجات الأمريكية حول التدخل في انتخاباتها، القول الذي يحلو للساسة الأمريكيين ترديده، ضمنا وليس علناً، وهو “لا تُقلد سلوكي، وإنما عليك اتباع تعليماتي”، المُحاكي للقول الشهير “افعل كما أقول ، لا كما أفعل” المستنبط من بعض ما أورده الانجيل بهذا الصدد، وتحديدا كتاب القديس ماثيو، “الآيات 1-3″، نسخة الملك جيمس.

 

*الدكتور محمد الصياد اقتصادي بحريني يعمل مستشارا في شؤون النفط والغاز وعمل سابقاً مستشاراً لفرق التفاوض البحرينية في مفاوضات التجارة الحرة مع الولايات المتحدة. يكتب حاليا في الملحق الاقتصادي لصحيفة “الخليج” بدولة الامارات العربية المتحدة.

 

[1]راجع: نينا اجروال، صحيفة لوس أنجلوس تايمز، “هناك أكثر من وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI): الوكالات الـ 17 التي تشكل مجتمع الاستخبارات الأمريكي”، 17 يناير/كانون الثاني 2017، https://www.latimes.com/nation/la-na-17-intelligence-agencies-20170112-story.html}.

 

 

1 تعليق

  • Yusuf Ajaji Posted سبتمبر 17, 2019 8:58 م

    It is a very lucid narrative but I know one thing that after the demise of the Mullas regime Russia will be next