أقل من لا شيء: هيغل وظل المادية الديالكتيكية Previous item ضحكة هيغل الأخيرة Next item البنية المخفية...

أقل من لا شيء: هيغل وظل المادية الديالكتيكية

قراءة في أعمال الفيلسوف سلافوي جيجيك

 

هشام عقيل صالح*

  معروفةٌ هي عبارة  أندريه جودانوف التي قيلتْ أثناء الصراع الفلسفي الذي دار في الاتحاد السوفيتي حول المسألة الهيغلية: “تم حل مسألة هيغل منذ زمن؛ لا يوجد هناك سببٌ واحد على الإطلاق يجعلنا نعيد طرحها من جديد”.

لقد قيلت تلك العبارة في العام 1947 واليوم، بعد أكثر من سبعين عاماً، يردد التقليد الفلسفي ما بعد الحداثي مثل التصريح عبر إخضاع هيغل إلى أقسى أنواع النقد، والشجب، والتفنيد وبطرق شتى. لكن المثير للسخرية هو حقيقة أن المسألة الهيغلية لا تزال تطرح نفسها من جديد.

أثبت تاريخ الفلسفة بأن كل قضية عظيمة لفيلسوف عظيم تعرضت للتأجيل كان قدرها أن يزداد حضورها قوة. فلقد تم تأجيل أفلاطون، لكن معاداة الأفلاطونية لا تزال سارية في الفلسفة حتى اليوم. المثل مع ديكارت؛ الذي أحيا في الجدل العلمي ما بين ديكارتية  فيرنر هايزنبيرغ واسبينوزية  آينشتاين في القرن العشرين. أما هيغل؛ فلقد حرص القرن العشرين على التخلي عنه، لكنه عاش في فعل التخلي هذا نفسه. هكذا يثبت عظمته، في حقيقة أنه عاش قرناً كاملاً تعرض فيه لمختلف أنواع وأشكال المحاولات – الفاشلة – للإغتيال.

يأخذنا ميشيل فوكو إلى هذه الاشكالية حين يقول بإن تكون ضد”الهيغلية” هو أن تقع في شرك هيغل؛ كما لو كانت احدى خدعهالتي قام بحياكتها. فعلاً، يصل العالم إلى الكمال الفلسفي مع المعرفة المطلقة التي أعلنها هذا الفيلسوف الألماني، والتي تحمل اسمه، فقط ليدشن قرناً كاملاً يستميت في ابراز العداء الفلسفي تجاهه، وفي كل مرة نجده يتمكن من التملص فيحيا من جديد. إنه شبح عصرنا، والهروب منه لن يعني سوى الهروب إليه؛ فكيف يمكن أن يهرب المرء، في نهاية المطاف، من الأشباح؟ وكيف يمكنه أن يهرب مما لا يراه؟ هنا يضحك هيغل ضحكته الأولى.

في مثل الوقت، لا يخفى أننا اليوم نشهد، في المشهد الفلسفي، إعادة احياء مذهلة لتقليد هيغل من قِبل مجموعة من الفلاسفة المرموقين، يتصرفون وكأنهم صائدواالأشباح؛ أنه فعل جريء يعلن منفذوه لكل هؤلاء الفلاسفة الذين أعلنوا موت هيغل مبكراً:  ”هيغل ليس كلباً ميتاً“.

أحد أهم وألمع الشخصيات الفلسفية التي تقود إعادةالأحياء هذه هو  سلافوي جيجك. في مؤلفه الضخم الذي نحن بصدد عرضه (اقل من لا شيء: ظِل المادية الديالكتيكية)، المكتوب في ألف صفحة، يثبت جيجك نفسه نصيراً لما يعرف اليوم بمنطق “الإرتجاع الديالكتيكي”. مساهمته الفلسفية هذه تجد إلهامها في الفكر المادي نفسه الذي يرغب في اقصاء الغائية؛ وأنه يجد هذه الاحتمالية في هيغل نفسه.

ليكن عرضنا، إذن، نقداً للمعروض؛ فليس بوسعي أن أقدم شيئاً من موقع، وهو موقع وهمي بالضرورة، يسمى بالحياد، بل اقدم هذا المؤلف الفلسفي، وانتقده، بمنظور الفكر المادي. ومهما كانت نوايا هذا الكتاب في احياء هذا الفكر نفسه، أعني المادي، إلا أنه يفشل، برأينا، في هذه المحاولة نفسها؛ فالطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة.

يرجع ذلك إلى هوة ما، أو نقطة عمياء، تحملها محاولة البعث هذه. إنها بكل بساطة واقعة في حقيقة أن هؤلاء الذين يحاولون إعادة احياء هيغلهم هيغليون أساساً. هكذا، من وجهة نظر الهيغلية تقام المحاولة في إعادة إحياء هيغل، في حقيقة أنها تحاول إظهاره كفيلسوف مادي. يأتي ذلك في الطرف الآخر من نداء لينين، قبل سنتين من وفاته، إلى مجلة (تحت شعار الماركسية) [Pod Znamenem Marksizma] لأن ينشئوا نوعاً من ”جمعية الأصدقاء الماديين للديالكتيك الهيغلي“. صديق؟ أصدقاء؟ صداقة؟ هذا يفترض علاقة قائمة ما بين كينونتين مختلفتين. على أية أسس يمكننا تعريف الصداقة؟ التعريف النيتشوي واضح: الصديق هو عدو شرس؛ عدو يخضع صديقه لأقسى أنواع النقد والتفكيك ليبين ما هو الأسوأ فيه. على الأصدقاء الماديين للديالكتيك الهيغلي، إذن، أن يكونوا أشرس أعداءه. إن يقوموا بإقرار وجوده اولاً، حتى وإن كان على شكل اعجاب، ليكون ذلك الظرف الوحيد لتفكيكه. فهناك فرق ما بين تفكيك هيغل وإعادة إعماره، وهناك فرق ما بين أن تكون صديقاً لهيغل، وأن تكون هيغلياً.

كوننة الكلينامين أم التصادف الممل؟

من دون أية مقدمات يطرح جيجكنفسه نصيراً لما أسماه بمنطق الإرتجاع الديالكتيكي الذي يمكن إيجاده عند هيغل. هذا المنطق قادر على حل معضلة أغلب الإنتقادات التي وجه للهيغلية: من دولوز، إلى آلتوسير، نيتشه، فيورباخوكيركيغارد، إلخ. إنه يعرض الجوهر الحقيقي لفكر هيغل الذي أساء الفلاسفة الآخرين فهمه؛ عبر نقطتهم العمياء. موجهاً نقده أساساً نحو الطبيعة الفلسفية للمادية التصادفية التي اسمى طبيعتها بـ”كوننة الكلينامين“ قائلاً:  “على العكس من سبينوزا، الذي لا نجد عنده الدال الأساس [master-signifier] الذي يقوم بالقطع، والإستنتاج، والتنقيط، بل سلسلة دائمة من الأسباب؛ نجد عند العملية الديالكتيكية الهيغلية تقطعات، وانقطاعات مفاجئة لتدفق استمراري، وارتداد يبنى، ارتجاعياً، المساحة بأكملها”.

يجد هذا النقد الموجه لفلسفة كوننة الكلينامين، أو المادية التصادفية، تعبيره في مفهوم الإنشقاق الكامن، والضمني، للجوهر نفسه كما يقدمه هيغل[1] ما بين الاكتفاء الذاتي للجوهر وفراغه. تكون الذات هنا هي الفراغ، وليس هذا الفراغ سوى التأصل في الجوهر، كأنما تحديق الذات في الجوهر هو انطواءه على نفسه؛ التحديق الخارجي الموجه للجوهر هو في الجوهر[2]. إن هذه الذات هي الليل المتأصل في الجوهر نفسه. فهذا الفراغ، أو الفجوة الضمنية، كامنة في الجوهر نفسه، بل أنه دائماً خاضع للتذويت سلفاً، ولهذا السبب بالتحديد يكون الخطأ كامناً في الحقيقة. وبالتالي بالتكرار وحده يصبح الخطأ حقيقة. أولم يقل هيغل أن هزيمة نابليون لم تتكرس كهزيمة إلا بعد أن تكررت؟ في المرة الأولى كشيء عرضي، والمرة الثانية كحقيقة واقعية؟ أو حين تحدث عن قيصر نفسه: توليه السلطة في الجمهورية هو أمرٌ عرضي، بينما موته وحده شكل حقبته الحقيقية، أو جعل من وجوده أمراً واقعياً، من حيث تبدأ حقبة حكم القياصرة؛ موت قيصر هو الذي يحيي القيصرية.

هنا يتكرس في التكرار ما يسميه جيجك بـ ”الإستبدال الذاتاني“، حيث ما كان خسارة يصير، ارتجاعياً، انتصاراً؛ أنه استبدال الموقع الذاتاني إزاء الشيء نفسه، وكأنما ما كان عرضاً صار الآن حقيقة. الخسارة لا تصبح انتصاراً إلا ما بعد أن صارت خسارة فعلاً. في هذا الموقع يجد جيجك ما يراه باعتباره تأسيساً مادياً لمفهوم الارتجاع الديالكتيكي، في مقابل الاسبينوزية التي تجعل، برأيه، من الجوهر قوة ميتافيزيقية غير قابلة على الحركة.

من الملاحظ بأن جيجك لا يقدم أية قراءة جديدة لإسبينوزا، بقدر ما يقوم بتكرار ما كتبه هيغل في(علم المنطق) و(محاضرات في تاريخ الفلسفة) بكل بساطة. ونحن نعرف كيف وجه هيغل نقده لإسبينوزا، وكيف راج هذا النقد في اوساط الفلاسفة: عند هذا النقد يعيد سبينوزا إحياء الفلسفة الشرقية (اليهودية والبوذية) القديمة في فلسفته. وعلى غرار الفلسفات الشرقية القديمة هذه، لا يعبر جوهره هذا سوى عن ”نسق الهوية“، يكون فيه الإيجاب إيجاباً والسلب سلباً، الوجود وجوداً والعدم عدماً. فيبرز الفكر هذا الجوهر كالهوية المطلقة؛ إنه الوجود المماثل لنفسه.

ضحكة هيغل:منطق الإرتجاع الديالكتيكي

حقيقة أن هيغل تحدث بالمنطق الارتجاعي، الذي يطرح غاية التيلوس [Telos] ارتجاعياً، لا عن المنطق الغائي الخطي التركيبي [الذي يعزى إليه خطأً] هو معطى ولا مفر منه؛ حيث لا يمكن إنكاره أبداً. صحيح، السيرورة الديالكتيكية الهيغلية لا تبدأ، أو تنطلق، مع غاية محددة؛ حيث أن الأصل الهيغلي يوحي بالفكرة المادية للأصل بوصفه ”لا شيء“ [”الوجود هو العدم“]. لكن هل تُقرأ، وتُفهم، الغائية على هذه الشروط وحدها؟

 ألا يجب، فضلاً عن ذلك، الإقرار بأن هذه الارتجاعية عند هيغل بحد ذاتها هي محرك الغائية؟ الارتجاع يستبدل السيرورة الصدفوية كضرورة، عبر تنقيطها، وبذلك يخلق، أو يطرح، أصله الخاص؛ قل: معنى هذا الأصل. الكلية هي ليست شيئاً تم توقعه، بل شيء تم طرحه ارتجاعياً. بذلك، المعنى، والمنطق، والغاية، كلها تطرح بمثل الطريقة.

على الرغم أن هذا المنطق لا يعترف بالأصل، أو لاشيئية الأصل، أو صدفوية وعرضية الأصل والصيرورة، إلا أنه يطرحه عبر الغاية نفسها؛ أنه يمنحه المعنى. هذا الفعل يقام من وجهة نظر الواقع المنجز نفسه. ليس للوجهة النظر هذه أي معنى إلا عبر القراءة الارتجاعية، أو قل: الارتجاعية نفسها تعطي معنى للصيرورة؛ تجعل من الصيرورة صيرورة. لهذا السبب، على الرغم من إنكار الارتجاع الديالكتيكي لأي أصل، أو اقراره بعرضية الأصل، إلا أنه يحدد ظروفه الضرورية للكينونة؛ في هذه الارتجاعية نفسها. الكلية، إذن، تحصل على معناها عبر إضفاء المعنى لأصلها؛ أن تطرح أصلها الخاص.

لا بد أن يكون فهم هيغل صحيحاً. إنه، بلا شك، ليس فيلسوف الضرورة أو الغائية الخطية المبتذلة وجيجك لم يكن مخطئاً على الإطلاق حين قال إن الديالكتيك الهيغلي يرى الضرورة بوصفها صدفة. لكن دعنا نرى بأي معنى يكون هذا المنطق مثالياً، وبأي معنى يكون جيجك مخطئاً حين يصنفه منطقاً مادياً.

على العكس من الإعتقاد التقليدي لبنية نفي النفي (مسقط رأس الغائية)، أنها لا تتألف من تزامن نفي النفي؛ بل أزمنتها، أو تمظهراتها، هي نفي النفي. إنها سيرورة واحدة مطلقة، أيّ السلب المطلق، في تطورها كضرورة مطلقة. فالمسألة ليست، كما هي عندالفهم التقليدي، تركيب ما بين نقيضين مطلقين وفقاً لمبدأ ارتقائي تطوري؛ على العكس، التركيب هنا لا يوحي بالتوازن بل بالفناء المتداخلما بين هذين الطرفين. ذلك لا يعني أن نتيجة حركة النفي هي دوماً نتيجة إيجابية كمالية. لكن في واقع أمر الهيغلية، الكمال هو ليس النزوع، ارتقائياً، نحوه؛ بل أنه يبنين صيرورته ككمال. هنا، مرة أخرى، يمكن للمرء أن يفهم هذا الديالكتيك بالشكل التقليدي، إلا أن تبقى الحقيقة أنه لا ينتهي دوماً بالكمال هذا؛ لأنه دائماً يختزن عنصراً ناقصاً، ينتقص من الكمال كماله.

ماذا يبقى من التناقض إذن؟ إنه لا يغدو، عند الهيغلية، أكثر من تجميد فكري؛ في أفضل الأحوال هذا الجمود يتجسد في مرحلة ”الفهم“. ففضلاً عن تفكير الهيغلية بوصفها أمينة للتناقضات، ألا يمكننا، على العكس تماماً، أن نقول إنها أمينة لفناء التناقضات؟ عبر تفسير جيجك، يوفر هيغل مثالاً جيداً لهذا حين يقول في (فينومينولوجيا الروح) إن العبد يخضع، خوفاً من الموت، للسيد، وبذلك يخضع لوعيه حول محدوديته عبر إدراكه للسلب المطلق. هذا الإدراك بحد ذاته يصبح نفي النفي الذي لا يرفع العبد نحو شكلاً إيجابياً جديداً، بل يقوم بما يسميه جيجك بـ ”الإستبدال الذاتاني“.  الاستبدال لا يؤدي، بدوره، إلى شكل روحي أرفع؛ بل يجعل من إدراك النقص، أو الهزيمة، انتصاراً، أيّ يوائم نفسه في هذا النقص بحد ذاته. حل التناقض يكمن في فناءه، أو قل في تصفية الحساب معه، أو وضعه في وئام؛ ما كان خسارة، أو ما تم اعتباره كذلك، هو ليس سوى انتصاراً.

إن المثالية تكمن هنابالتحديد. فعلى الرغم من أن التناقض (الهيغلي)، على العكس من تصور ماو تسي تونغ، يأخذ شكل  اللاتساوي، فإن اللاتساوي ليس مرادفاً للا-تماثل. اللاتساوي هنا يصبح هو التماثل؛ بما إن ليست الأطراف المشاركة من تحدد التماثل، أو الهوية، ولا مواقعها، بل طبيعة علاقة الأطراف هذه ببعضها البعض هي التي تقوم بهذا التحديد. طبيعة التناقض الهيغلي هوالتماثل في اللاتساوي ما بين اطرافه؛ هذا المعنى الوحيد الذي يمكننا أن نفهم عبره ”الإستبدال الذاتاني“.

نُسلم ما يقوله الهيغليون الجدد اليوم حول الجوهر الثوري (أو المادي؟) لفلسفة هيغل التي آساء فهمهما الجميع تقريباً، أليست هذه النظرة الثورية تجد من الواقع المنجز نقطة انطلاقها؟ بالواقع المنجز لا نعني وجهة نظر المنتصر وحسب، بل المهزوم أيضاً؛ ليست وجهة نظر المسيطر، بل الخاضع أيضاً، قل: وجهة النظر التي تبتلع الإثنان في وحده يختفيان، أو يفنيان، فيها. هنا نحن نواجه نقطة نيتشوية فعلية؛ المسألة لا تتعلق بإستبدال ذاتاني إزاء الواقع المنجز، أو إزاء الهزيمة في هذا الواقع، بما أن الإنتصار يشكل جزءاً منها كذلك، بل بفهم اللاشيئية الراديكاليةلهذا الواقع نفسه؛ أيّ أنه نتيجة لإزاحة كل ما كان موجود، وأنه أيضاً سينزاح كلياً نحو شيء يرتفع عنه كلياً. الإستبدال الذاتاني هو استبدال يتعامل مع شروط الواقع المنجز نفسه؛ طموح هيغل لا يتجاوز تجاوز كل ما هو موجود راديكالياً.

لنعد، للحظة، إلى الاستبدال الذاتاني. إنه الصفة المترسخة في هذا النوع من المنطق الديالكتيكي الذي يمنعه من تفكير الإنتقال الثوري، أو القفزة الثورية، من نمط إنتاجي إلى آخر. هن شيء يأخذ المنحى الخاطئ؛ كل شيء يصل إلى وجهة مختلفة اختلافاً كلياً عن الوجهة المراد وصولها في البداية. الفكرة تكمن في المصالحة مع هذا الخطأ؛ أن تنظر إليه بنظرة أخرى تسمح لممارسة جديدة إزاءه.  ذلك يسمح لإنفتاح المستقبل نحو المجهول؛ دون أن يكون مقرراً مسبقاً. بلا شك هذا الفكر يطرح هذه القضية بشكل ثوري، في ظاهره، حين يقدم مفهوم الإرتداد المطلق جنباً إلى جنب الارتجاعية نفسها؛ وعبر هذا الإنفتاح الجديد في الفكر يجد مؤيديه أنه هيغل الذي كان يولد فلسفة غير غائية.

 لكننا هنا نصل إلى النقطة الحاسمة مرة أخرى: أيكفي ذلك لإقرار لا-غائية الفكر الهيغلي؟ دعنا نقول إن الهيغلين الجدد يعرفون الغائية وفقاً لتعريفها الأيديولوجي نفسه، أو قل يحصرون تعريفها في وهمها الأيديولوجي، حيث يستحيل على فكرهم أن يتجاوز نفسه، أو بالأحرى يتجاوز هذا الوهم. إنهم يفكرون في كل شيء، لكنهم لا يرون نقطة الغائية لأنهم يدوسون عليها. من جانب، التعريف الأيديولوجي للغائية هو تعريف خطي؛ الغائية الدينية، أيّ من وجهة نظر الدينية، هي تكوينية. لكن هذا هو ليس التعريف الحقيقي للغائية، حيث إنه تعريف ينتمي إلى المثالية أساساً، أنه التعريف الذي تقدمه هي (كما قدمه الفكر الأرسطي). من الجانب الآخر لدينا تعريف مادي للغائية: إنها لا تُعرف من وجهة نظر أصلها، بل من وجهة نظر غايتها؛ أصلها هنا يكون مجرد من أي معنى، حيث الأصل، عند المثالية، لا يوجد إلا على أسس الغاية نفسها، أيّ الغاية تفرض أصلها الخاص ارتجاعياً.

 

 

 

 

هشام عقيل صالح، كاتب بحريني من مواليد العام 1995، طالب بجامعة البحرين كلية الآداب قسم العلوم الاجتماعية. عضو مؤسس في “مختبر الفلسفة والفكر النقدي”.  نشر العديد من المقالات الفكرية في مواقع إلكترونية داخل وخارج البحرين منها: “الحوار المتمدن”، “حكمة”، “منقوطة”، “جهة الشعر” و”أوان”. نشر العديد من المقالات الفكرية في مجلات ثقافية وصحف محلية منها: مجلة البحرين الثقافية، صحيفة الأيام، صحيفة الوسط، اخبار الخليج. من هذه الأبحاث والدراسات: “الثقافة في ضوء الممارسة الاجتماعية: قراءة في مفهوم الثقافة والأزمات الثقافية”، موت الإنسان، الماركسية والفلسفة، وبورتريه للفيلسوف المادي (لوي آلتوسير)،  قناع يجعلك تبدو كما أنت (سلافوي جيجك)، صفعة على وجوه الكهل، هنا الوردة، هنا أرقص، عناكب سبينوزا، أشباح هيغل، اكتشاف رأس مال ماركس. عيون مغلقة بإتساع: نقاش حول مفهوم الطبقة الوسطى. غواية كيركي الفلسفية: حول نقد الظواهر الاجتماعية. أسئلة أقل فلسفة اقل. بودلير – أدورنو: أيمكن أن يأتي النسيم من كوكب آخر.

 

 

الهوامش:

[1]يقول هيغل في فينومينولوجيا الروح: ”الدائرة التي تبقى منغلقةعلى نفسها، ومثل الجوهر، تمسك كل لحظاتها معاً، تعبرعن علاقة فورية ومباشرة ولايوجد أي شيء مذهل فيه. لكن العرض بحد ذاته، منفصلاًعن ما يحيطه، ايّما هو مربوط  وفعلي في علاقته الضمنية بالأخرى. عليه ان يحصل على وحود مستقل وعلى حرية منفصلة. هذه هي القوة الجبارة للسالب

 [2] وعلى حد تعبير جيجك: ”الذات لاشيء سوى الاسم لهذا البعد الكامن للجوهر نحو نفسه، الاسم لذاك المكان الفارغ من حيث يمكن  للجوهر أن يراه كشيء غريب“