إكتشافات منيرة حول تاريخ غابر Previous item ثورة الملح والكهرباء في البصرة Next item العثور على ناقة النبي...

إكتشافات منيرة حول تاريخ غابر

أدريان بروكيت*

تخيل نفسك تسير في ممر ضيق بين قمم شاهقة تكاد أن تلامس بعضها بعضا فوق رأسك فيظلم المكان إلى درجة لا تستطيع فيها تلمس الرمل والأحجار تحت قدميك. ولا يتبقى من شيء تهتدي به وسط محاولتك تلمس طريقك إلا بالاستعانة بشعاع رقيق جدا للشمس ولكنه أيضا واضح تماما يمتد في مكان ما في الأعالي. وإذ يتلّك ذلك الدليل تلاً إذا بك تخْلُص أخيرا إلى مُنفرج واسع جداً تحت سماء شمس ظهيرة باهرة يأخذ أنفاسك بناء شيد بنحت تلك القمم ويمتد على المدى أمامك على كلا الجانبين.

هذا هو كتاب أحمد العبيدلي العثور على ناقة النبي صالح. فمستوى بحثه، ووضوح تحليله والبناء المنظم بدقة يقودك خلال مجاهل التاريخ الغامضة والمظلمة في آن إلى اكتشافات منيرة جديدة حول أيام غابرة وأهليها. يأخذ السرد الكلاسيكي والأنيق في آن، بيديك شخصياً وباقتدار عابراً خلط التأويلات لدارسين سابقين. ونحن كلنا محظوظون لأن أحمد قد أنجز هذا الكتاب رغم صعاب خاصة كثيرة.

في صيف 1969 كانت التأثيرات الكارثية لحرب 1967 العربية – الإسرائيلية على صناعة السياحة الأردنية قائمة إلى أحد أنه كان الزائر الوحيد للبتراء في ذلك اليوم هو طالب شاب للدراسات العربية. توجب عليه أن يستخدم بعناية نور الشمس بنهاية السيق ليقوده  في المدينة النبطية القديمة. كنت أنا ذلك الطالب وكان لدي القليل من المعرفة بأنه وبعد ما يقارب الخمسين سنة سيقودني الفصل السادس من كتاب أحمد -حول ثمود والأنباط- شخصياً وعلى نحو مشابه وعبر المدخل ذاته إلى فضاءات رحبة للحضارة العربية القديمة. وبات القول بأن تلك الآثار هي عربية المنشأ أمراً منطقياً.

هذا هو الفصل الأخير من عدة فصول من حياتي الخاصة التي أنارها أحمد لي، ولي عظيم الشرف لإضافة مقدمة لمثل هذه التحفة من البحث الأصيل والمعرفة. فهي تمنحني الفرصة لتدوين امتناني العميق وتقديري لإرشاداته وأفكاره على امتداد حياة كاملة من التعاون والصداقة. فأنا أقدم شكري القلبي لكل الوقت السعيد والمنتج الذي قضيناه متشاركين معا في مؤتمرات لتعريب الحاسوب، ولعملنا المنتج معا في جامعة درم، وأخيرا لتمكيني في السنوات العشر ٍالماضية من زيارة البحرين بانتظام للعمل في بيئة الجامعات. لقد كان أحمد سراجا وضاءً في منحنيات حياتي المهنية وتعرجاتها.

وسوف تجتذب اكتشافات الفصل السادس لكتاب أحمد وبنحو خاص العقول الغربية مثل عقلي تماماً. فمنذ أن وقع الرحالة والمستشرق السويسري جون لويس بوركهاردت على البتراء عام 1812، جعل ما يزيد على مائتي باحث أوروبي من الإنشاءات هناك مقصداً لهم للإجابة على سؤال: من الذي شيّد تلك المدينة ومن إمتلك الخبرة لإقامة مثل هذا البناء الفذّ؟ ولربما يشكل الجدل في الفصل السادس نظرية تطرح لأول مرة وتمتلك قابلية إختبارها والتحقق منها والتي تقدم إجابة واضحة لأسئلة الدارسين الأوروبيين. فخبرة الكاتب في التنقل ما بين المصادر الكلاسيكية والحديثة، أوروبية كانت أم عربية، ومزجه بين البحث الأكاديمي والخبرة الميدانية بطوبوغرافية ظفار، ومراكمته في اللهجات العربية الجنوبية الحديثة، ثم بالجمال المهرية تشكل عوامل تجتمع كلها معا لتقدم كتاباً حيوياً ومثيراً للقراءة، وجدلاً مقنعاً للغاية.

وكما هي حال اكتشافات الفصل السادس، ستكون إكتشافات الفصول الأخرى للكتاب. فهي على نفس القدر من الأهمية، إن لم تكن بأكثر من ذلك لتاريخ الحضارة العربية وهي نتاج حياة كاملة من الجهود والخبرات في المجال. وستجتذب بقوة الباحثين العرب والمسلمين – وخاصة تلك التي استهدفت اكتشاف جوانب مسألة ناقة النبي صالح. ويتحدث أحمد بمرجعية متأججة. ويتوجب الاهتمام بدعوته لتسجيل اللهجة المهرية والتاريخ والحضارة المهرية والحفاظ عليها.

 

 

 

* الأستاذ أدريان بروكيت أمضى طفولته في عدن ودرس العربية في لبنان لسنة واحدة.  نال الماجستير والدكتوراه من جامعة سانت أندروز. ونالت أطروحته حول العربية المحكية في الخابورة بعمان تقريض سارجنت وهولز. عمل محاضراً في جامعة ليدز وأسس هناك مشروع العربية بالكومبيوتر. عمل أستاذاً بجامعة درم، ومطوراً للكادر بجامعات البحرين. صدر له كتاب من جزأين “The history of al-Tabari“. النص هو تصدير الكتاب والعنوان من عندنا.