اليأس والكهرباء يشعلان التظاهرات في جنوب العراق Previous item أبعدوا الأمنيين عن البصرة... Next item ثورة الملح والكهرباء في البصرة

اليأس والكهرباء يشعلان التظاهرات في جنوب العراق

لا شيء يتحرك في بغداد: من 2015 الى  2108 أسباب الإحتجاج هي نفسها

 

 ربيع نادر*

على صفحات فيسبوك كتب مدون عراقي موجها كلامه للمتظاهرين في جنوب العراق: “على من تتظاهرون وأنتم من انتخب هؤلاء المسؤولين؟”.

هذا السؤال الذي تعاد صياغته مع كل حركة احتجاج شعبية في العراق، سواء من قبل الناشطين والمدونين أو حتى نواب في البرلمان، يهمل بقصد او بغيره حقيقة مفادها ان الإنتخابات العراقية الأخيرة أفرزت أغلبية ساخطة لم تقبل المشاركة في الانتخابات، إنطلاقاً من شعورها بأن “لا تغيير يمكن ان ينتج عن الانتخابات بآليات فصلت على قياس القوى الكبيرة المتنفذة”.

لا يريد هذا المدون الساخر ان ينتمي لدائرة تتحدث عن علاقة وثيقة بين (المقاطعة) التي شكلت حالة رفض للوضع السياسي القائم هي الأوسع منذ العام 2003، والتظاهرات الأخيرة، اذ ثمة من يصر على ان غالبية قوامها 56بالمئة من الناخبين قاطعوا الإنتخابات لا يمكن الا أن يكونوا النواة لأي حركة رفض او احتجاج للأداء الحكومي والسياسي.

صحيح ان جوهر التظاهر الذي انطلق أولا في البصرة ثم امتد الى محافظات أخرى هو النقص الحاد في الخدمات لا سيما في الطاقة الكهربائية، إلا ان هذا الغضب يبدو بشكل أو بآخر نقطة إلتقاء متوقعة لتكرر المعاناة جراء غياب الخدمات في فصل الصيف الحار وإحساس اليأس الذي اتسعت دائرته قبل وبعد الإنتخابات.

هناك من يستند الى حالة إحباط مضاعفة أخذت تلتهم الشارع في الأسابيع الأخيرة، أولا لعدم الإيمان بأي تغيير ممكن ان ينتج عن آليات الإنتخاب الحالية. وثانياً لما حصل بعد اعلان النتائج وما أشيع من حديث تزوير وايضا شبه الإتفاق بين القوى السياسية الرئيسة على إعادة إعتماد صيغة (المحاصصة) في عقد التحالفات التي يتم على أساسها تشكيل الحكومة وهي الصيغة التي أنتجت عجزاً إدارياً واضحاً على مدى عمر الحكومات المتعاقبة وفشلاً في الملفات الرئيسة بمقدمتها الخدمات والأمن والإقتصاد.

وفي أي محاولة لفهم محركات الاحتجاج، لا يمكن إغفال آثار النقد الموجه للحكومات والأداء السياسي والذي أخذ مكاناً واضحاً في خطابات المرجعية الدينية في السنتين الأخيرتين، حتى أن الخطبة الأخيرة قدمت دعماً صريحاً للمطالب التي رفعها المتظاهرون.

فهي ليست المرة الأولى التي تتشاطر فيها المرجعية الأعلى في العراق مع تظاهرات مطلبية حيث لم تتردد في نهاية العام 2015 وبداية 2016 في تكريس كل خطاباتها لتوجيه الحكومة بحزمة إصلاحات سياسية وحكومية. وعرفت بعض هذه الخطابات بـ(بح صوتنا) إشارة الى العبارة الشهيرة التي إستخدمتها المرجعية وعبرت فيها عن يأسها لتكرار دعواتها للحكومة دون جدوى.

وبمقارنة سريعة بين العامين 2015 و2018، فأن الأسباب ذاتها في المرتين تقف وراء حركة التظاهر لكن ما يمكن الإلتفات اليه، هو أن هذه التظاهرات تأتي في أيام التباحث في تشكيل الحكومة الجديدة وهذه لوحده مؤشر كافٍ لحكم مسبق يائس من الولاية الحكومية الجديدة.

اي حوار مختصر مع عينات عشوائية من المتظاهرين سواء في البصرة التي انطلقت منها التظاهرات أو المحافظات التي امتدت اليها مثل ذي قار، بابل، ميسان، النجف وكربلاء، يمكن الخروج منها بالاعتقاد الآتي: أن الجديد في الدورة الانتخابية 2018-2022 ان كان هناك جديد فهو لا يتعدى تغييراً للمواقع.

قبل الانتخابات بشهور، كانت أغلب استطلاعات الرأي تشير الى ان ما يشكل أولوية لدى الناخب العراقي في محافظات الجنوب المستقرة أمنيا هو نقص الخدمات وغياب فرص العمل والفساد وهي العوامل الثلاثة التي كانت حاضرة بشكل واضح في تظاهرات المحافظات وهي ست محافظات حتى الآن.

لكن البصرة والتي عادة ما تكون الانطلاقة في كل تظاهرات الكهرباء او الخدمات بشكل عام، لا يمكن مساواتها بأي حال في المعاناة مع غيرها المحافظات الاخرى طبقا لعدة عوامل منها:

أولاً: مساهمتها الكبيرة في الدخل الوطني العراقي.

ثانياً: كونها المحافظة الاكثر سكاناً من بين محافظات الجنوب.

ثالثاً:  الاكثر إرتفاعاً في درجات الحرارة في العراق في شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب ما يجعلها الأكثر حاجة لتجهيزات الطاقة الكهربائية كون هذا الارتفاع الحاد لا ينفع معه الا استخدام أجهزة التكييف التي تتطلب طاقة كهربائية أكبر من غيرها.

في المحصلة النهائية، فإن حركة التظاهرات في العراق تستوفي كل الشروط التي تستدعي الاحتجاج في اي مكان في العالم، لكن التحدي الأساس يتمثل في الحفاظ على نسق التظاهرات وطبيعتها، مع امتلاك المتنفذين أدوات حرفها وتجييرها، كما حدث في العام 2015 .

ففي احتجاجات ذلك العام، يقر ناشطون مدنيون بأن التظاهرات التي خرجت وقتها للمطالبة بتجهيز الطاقة الكهربائية لم تحافظ على مطلبها الرئيس إلا لثلاثة اسابيع فقط، قبل تتحول الى مطالب سياسية تتعلق بالصراع بين القوى التقليدية والمقصود هنا نجاح التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر في السيطرة على تلك التظاهرات وتكريسها لصالح توجهاته السياسية.

والى جانب قدرة القوى المحلية فإن هناك قوى إقليمية ودولية قادرة على التأثير ايضاً في مسار أي إحتجاجات عراقية. يجري الآن الكثير من الحديث عن هذا النوع من التأثير حيث أن هناك من فسرها بأنها جزء من الصراع الايراني – الاميركي في المنطقة.

في هذه التظاهرات يبرز هذا التحدي بشكل واضح مع الاعتقاد بأن هناك مجموعات سياسية دخلت على الخط بعد ثلاثة أيام فقط من التظاهرات وهي خطوة تستهدف إما تنفيذ حسابات سياسية شخصية مثل حرق مقرات أحزاب ورفع شعارات ضد زعامات سياسية معينة أو للقيام بعمليات تخريب تتيح لعناصر الأمن إستخدام القوة. هذه النشاطات بشكل عام ستترك أثرها على زخم حركة التظاهر وقد تقيد من قدرتها على حض الحكومة على تنفيذ المطالب او دفع الكتل السياسية المسؤولة عن إختيار الحكومة الجديدة على تحسين أدائها وعدم إرتكاب نفس أخطاء الحكومات السابقة.

ومع المحاولات السياسية للسيطرة على التظاهرات أو تغيير مسارها، يمكن الآن الحديث عن ثلاثة انواع من المتظاهرين:

 

الاول: يضم القسم الاكبر وهم المطالبين بتوفير الخدمات وفرص عمل وقد تصل مطالبهم الى التغيير على مستوى السلطة.

الثاني: متظاهرون ينتمون لجهات سياسية يستهدفون من خلال مشاركتهم في التظاهرات تحميل جهات معينة دون غيرها مسؤولية التقصير الحاصل.

الثالث: مدفوع من جهات متنفذة ومستفيدة من الوضع السياسي بشكل عام ويستهدف ضرب التظاهرات من خلال نشاطات تخريب تخرجها عن مسارها وقيمتها وتحرض الرأي العام ضدها.

 

 

*ربيع نادرصحافي وكاتب عراقي، عمل مراسلاً لعدد من الصحف العربية والأجنبية مثل صحيفة “الحياة” و”الشبيبة” العمانية وكاتباً خارجياً في موقع “المونيتور” الأميركي وفي موقع “نقاش” الألماني ومراسلاً لصحيفة “الأخبار” اللبنانية. كما عمل أيضاً في عدد من القنوات التلفزيونية والاذاعية العراقية. يمكنكم زيارة حسابه على فيسبوك: https://www.facebook.com/rabeeanader