محمد فاضل العبيدلي
انتشار النزعات الصوفية لا يمكن ملاحظته في كم الإستشهادات الهائل بمقولات جلال الدين الرومي على فيسبوك فقط٫ بل أن النزوع نحو الصوفية بات يتخذ في البحرين خصوصا وباقي دول الخليج مظاهر عدة. فقد تزايدت اعداد أولئك الذين يزورون مدينة “قونية” في تركيا للمشاركة في احتفالات ميلاد أو وفاة مولانا الرومي وهي احتفالات أصبحت تجتذب الالاف من مختلف انحاء العالم لا من الدول العربية فحسب.
ومع هذا الإهتمام بإبن الرومي، منحت جائزة البوكر العربية العام الماضي 2017 للروائي السعودي محمد حسن علوانعن روايته الشيقة “موت صغير” المكرسة لحياة المتصوف العربي الأشهر محي الدين أبن عربي. وقبله بسنوات، اجتذبت رواية “قواعد العشق الأربعون” للتركية أليف شافاق القراء العرب وهي تسرد رحلة جلال الدين الرومي وصداقته الوثيقة مع شمس التبريزي التي سيقدر لها فيما يلي من الزمن ان تشكل مدرسة في التصوف طبعت بتأثيرها أجيالاً متعاقبة في البلدان العربية والعالم حتى اليوم.
ما الذي يجري؟ لماذا بات الشغف بالتصوف يجتذب أولئك الآتين من ثقافة مدنية علمانية بكل تنويعاتهم من ذوي الخلفيات الليبرالية أو اليسارية؟ أولئك الذين لا يوصفون بـأنهم متدينون، بل أفراد عاديون لا يختلفون عن أي شخص آخر سوى في مقدار القلق الذي يحملونه بحثاً عن سلام روحي.
عندما فكرت في اعداد هذا الملف، كنت مدفوعاً بفرضية تقوم على أن هذا الميل والنزوع نحو التصوف في السنوات الأخيرة قد يكون ناتجاً عن الحاجة الملحة لدى الكثيرين خصوصاً المتعلمين لمفهوم مسالم ومتسامح للدين [الإسلام] بعيدا عن الروح الإحترابية التي إشاعتها التيارات والمذاهب المتصارعة في شقها السني وشقها الشيعي والتي يشعر الكثيرون انها استنفذت مداها وهي تأخذ الناس الى أفق وحيد هو “الإحتراب”.
تاريخياً، إرتبط انتشار النزوع نحو التصوف بمراحل الإضطراب على مر التاريخ وهي كثيرة وهي مراحل تسود فيها الثورات والفتن والاقتتال بين الناس ناهيك عن انتشار المظالم والعسف. ويمكن ان نجد شيئاً مماثلاً في الغرب مع فوارق المقارنة مع انتشار الحركة الهيبية المنادية بالسلام في سبعينيات القرن العشرين الماضي في ذروة حرب فيتنام والتدخل الأمريكي في الهند الصينية الذي امتد الى كمبوديا ولاوس.
لكن هذه تبقى فرضيات، وعليه طلبت من الدكتور محمد الزكري الانثروبولوجي البحريني المتخصص في هذا الميدان ان يكتب مقالاً للمدونة حول هذه الظاهرة فـأغراه الطلب على ما يبدو الى الدرجة التي انجز دراسة كاملة عوضاً عن مقال. وهي دراسة قيمة اهتمت بنشرها معنا صحيفة “البلاد البحرينية” و”المصري اليوم” المصرية.
يجيب الدكتور الزكري في هذه الدراسة على السؤال عن أسباب انتشار الجذب الصوفي أو أسباب نزوع العلمانيين نحو التصوف على المستوى العالمي وعلى المستوى العربي.