سمية آدم عيسى*
يثير كتاب “النار والغضب في بيت ترامب الأبيض” لمؤلفه مايكل وولف والذي صدر في يناير الماضي، أسئلة حائرة من قبيل، هل يتعمد دونالد ترامب الأفعال “غير التقليدية” لتحقيق الشهرة، عملا بمقولة “خالف تذكر”، خاصة وأن الإعلام يبحث دوما عن التشويق والإثارة، أم أنه “مجنون” بطبعه.
فالكتاب يستند على محادثات اجراها الكاتب على مدى ثمانية عشر شهرا مع الرئيس ترامب وكبار موظفيه (أكثر من 200 مقابلة) حيث قال المؤلف أنه كان ضيفاً دائما في البيت الأبيض بدون أي ضوابط حول ما يكتب أو لا يكتب مما يعزز الفرضية أن ترامب كان يدرك بحسه الإعلامي ما يكتب عنه ويقوم بتوجيهه بذكاء.
من الواضح أن الكاتب وقع فريسة لاستفزازات ترامب “المتعمدة”، فالكتاب في معظمه انتقادات مباشرة للرئيس ترامب وتصرفاته التي يصفها المؤلف بـ”الترامبية”، حيث يبرز التناقض في مواقفه وأكاذيبه ويسخر منه في كثير من الأحيان. كل الأحداث الأخرى التي ذكرت في الكتاب هي للتدليل على أن ترامب “أخرق”. من الواضح أن ترامب انتهج باكراً أسلوب “خالف تذكر” للفت الانتباه. وقد ذكر أحد أصدقائه المقربين أنه طوال حياته لم يكن متأكدا ما إذا كان ترامب جمهوريا، أو مستقلا، أو ديمقراطيا. كما وصف ترامب باللامبالاة في سعيه للفوز بأي ثمن وتحقيق أهدافه. واعتبره ثائرا بلا قضية وغير منضبط.
الكتاب أحدث ضجة عالمية واسعة، لا بسبب انتقاداته اللاذعة للرئيس الأمريكي وأسرته وتشكيكه في قدرات الرئيس الذهنية وجدارته لتولى منصبه فحسب، بل لمحاولة ترامب منع نشر الكتاب بسلسلة من التغريدات “المتعمدة كما أعتقد”، وصف فيها المؤلف “بالمجنون”، ستيف بانون كبير مستشاريه الذي كان مصدراً لكثير من محتويات الكتاب بأنه “فقد عقله”.
نقل السفارة الى القدس
اللافت أن الكتاب لا يركز إطلاقا على قضايا الشرق الأوسط، وكل ما جاء في الكتاب بشأنها هو عبارة عن بضعة أسطر جاءت في إطار انتقاد تصرفات ترامب الهوجاء غير المخطط لها ومعرفته الضحلة وعدم تبصره بعواقب بالأمور. غير أن المؤلف وضع بذكاء تعليقات الكتاب حول الضفة الغربية في المقدمة في إطار حوار بين كبير مستشاري ترامب للشؤون الاستراتيجية ستيف بانون والرئيس التنفيذي السابق لمحطة «فوكس نيوز» الإخبارية روجر آيلز أحد المقربين من ترامب على هامش حفل عشاء جرى قبل أسابيع قليلة من تنصيب ترامب عندما كان الذهول يعتري الجميع الذين فوجئوا بفوز ترامب أو بالأحرى “أسلوب ترامب” الذي كانوا يعتقدون محقين أنه “لا يعلم سبب فوزه أو ما سيفعله كرئيس”.
عندما سأل آيلز في معرض الحديث بانون عما إذا كان لدى ترامب أي برنامج” كانت إجابة بانون أننا سنقوم بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس وأن الضفة الغربية ستكون للأردن وقطاع غزة لمصر .. “دع الأردن تأخذ الضفة الغربية، ومصر تأخذ قطاع غزة، لنتركهما يحاولان التعامل مع ذلك أو الغرق أثناء المحاولة، السعودية ومصر على شفا الهاوية وأنهم يموتون خوفا من بلاد فارس… لهذا السبب روسيا هي مفتاح رئيسي”. ومضى قائلا: “هل روسيا سيئة؟ إنهم أشرار. لكن العالم مليء بالأشرار”.
هذه الأسطر على ما أعتقد هي التي جذبت كثيرين في الشرق الأوسط للكتاب راغبين في معرفة المزيد عن فكر ترامب، لكن محاولاتهم ستبوء بالفشل لأن هذا هو تقريبا كل ما يتعلق بالشرق الأوسط والعرب في هذا الكتاب الذي وصف ترامب بأنه “بلا فكر وأنه ميال للارتجال”. كما تطرق المؤلف داخل الكتاب لزيارة ترامب على رأس وفد كبير للمملكة العربية السعودية. ولم يغفل الكاتب من ملامسة الأزمة الخليجية المحتدمة عند تأليف الكتاب. فقد ذكر المؤلف أن ترامب قال إبان زيارته للرياض “أن السعوديين سيمولون وجودا عسكريا جديدا تماما في المملكة، مما يحل محل قيادة القيادة الأمريكية في قطر بل ويستبدلها، وستكون هناك أكبر انفراجه في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية على الإطلاق”. وأكد ترامب أنه «سيكون هناك تغيير في قواعد اللعبة، كما لم يسبق له مثيل. وأعلن أن السعوديين سيشترون أسلحة بقيمة 110 – 350 مليار دولار خلال السنوات العشر التالية وستكون هناك استثمارات بمئات المليارات من الدولارات والوظائف في الولايات المتحدة. وبحسب وولف، أيضا فإن الحفل الذي نظمته السعودية لاستقبال الرئيس ترامب بلغت تكلفته 75 مليون دولار.
فوز غير متوقع بالرئاسة
تطرق المؤلف بعد ذلك إلى أن حملة ترامب الانتخابية كانت تتسم بالفوضى وأنه لا أحد كان يعتقد أن ترامب سيفوز وأن أقصى طموح ترامب من خوض غمار الانتخابات كان الدعاية لنفسه ليصبح نجما تلفزيونيا لامعا ولهذا كان ترامب يروج أثناء حملته الانتخابية، شائعات حول “شبكة ترامب التلفزيونية” متوقعا أن تصبح علامته التجارية أقوى بكثير وأن تنهال عليه الفرص من كل حدب وصوب. “ان هذا أكثر مما احلم به”، هكذا قال ترامب لأحد أصدقائه قبل اسبوع من الانتخابات.. “أنا لا أفكر في الخسارة لأن خسارة الانتخابات ليست خسارة”.
وفي السياق تطرق المؤلف إلى علاقة غرامية جمعت مدير الحملة الانتخابية لترامب كوري ليفاندوفسكى الذي طرده ترامب لاحقا ومسؤولة العلاقات العامة في الحملة الانتخابية هوب هيكس (مديرة الاتصالات في البيت الأبيض حالياً)، لافتا إلى أن العلاقة انتهت بمشاجرة بينهما في الشارع. وقد كشف سام نورنبرغ أحد مساعدي ترامب خلال حملته الانتخابية هذا، للانتقام من ليفاندوفسكى الذي تسبب في طرده من عمله بالحملة ومن ترامب الذى رفع دعوى قضائية ضده. كان الوحيد الذي يعتقد بفوز ترامب هو ستيف بانون، ما جعل (أعضاء الحملة) يطلقون عليه اسم “ستيف المجنون”، فيما وصف ترامب نفسه بانون بـ”المتملق”. كما أن كيليان كونواى، المستشارة المقربة للمرشح الرئاسي الجمهوري ظلت طوال يوم الانتخابات تهاتف منتجي التلفزيونات الذين تعرفت عليهم خلال الحملة، لتسوق لنفسها للحصول على وظيفة دائمة بشبكة تليفزيونية بعد انتهاء الحملة.
من الإشارات التي توضح عدم جدية ترامب عند خوض الانتخابات أن ترامب “الملياردير”، رفض التبرع لحملته الانتخابية، وكان أقصى ما قدمه هو قرض قيمته 10 ملايين دولار بعدما تلقى تعهداً باسترداد المبلغ فور أن تتمكن الحملة من جمعه عن طريق التبرعات. وأثناء حملته تم الكشف عن مقطع فيديو تضمن تعليقات مسيئة لترامب بحق النساء تعود لعام 2005 (يمكنك أن تفعل أي شيء” بالمرأة “حين تكون نجماً، كما تفاخر بمحاولاته تحسس وتقبيل نساء). وعندما سئل بعد فوزه عن تفسيره قال “في الحقيقة ذلك ليس أنا”.
لا تواصل مع ميلانيا
شكك المؤلف في زواج ترامب وميلانيا، حيث قال أنهما لا يتواصلان بالأيام، وأن إلمام ميلانيا بطبيعة عمل زوجها قليل للغاية، وأضاف أن ترامب يعد “أبا غائبا” لأبنائه الخمسة. وينقل عن ترامب قوله لأصدقائه بعد زواجه من ميلانيا: “أعتقد أنني أدركت أخيرا فن الحياة الزوجية: عش ودع غيرك يعيش”.
وبالرغم من أن الكاتب وصف ترامب بأنه زير نساء وشبهه ببيل كلينون بالتحرش بالنساء، إلا أن الكاتب اضطر للقول أن ترامب “يحب زوجته ويقدرها”. ويشير الكتاب إلى أن تشارلي كوشنر والد جاريد كوشنر صهر ترامب، قضى وقتا في سجن اتحادي بتهمة التهرب من الضرائب والتلاعب بالشهود وجمع تبرعات غير قانونية. كما وصفه بأن لا وازع لديه حيث يعيش خارج القانون. قال وولف أن ترامب لا يعرف شيئا بخلاف العقارات. وجاء في الكتاب أيضا قول ترامب أن أحد الأشياء التي تجعل الحياة تستحق العيش هو “النوم مع زوجات أصدقائك”.
وذكر وولف أيضا أن ترامب وبعد فوزه بالانتخابات لم يكن مستوعباً انه أصبح رئيس الولايات المتحدة. وأضاف أن ترامب لم تكن لديه القدرة على التخطيط والتنظيم وإيلاء الاهتمام والتركيز. وأشار المؤلف إلى أن ترامب يدعي دوما امتلاكه امبراطورية الا انه لا يوظف إلا المقربين وأفراد عائلته. وبالتالي كانت فكرته الأولى تعيين صديقه قطب العقارات توم باراك كبير مستشاريه لكن باراك اعتذر لأنه لم يكن يرغب في تعريض حياته الخاصة الحافلة بأربع زيجات لأضواء الاعلام.
نقل ترامب كل افراد عائلته بخلاف زوجته إلى البيت الأبيض. وبعد كثير من الضغوط وافق على عدم تعيين صهره كبير موظفي البيت الأبيض، على الأقل ليس رسمياً. وقع اختياره أخيراً على بانون الذي كان يناديه قبل الانتخابات بالمنافق. وقد وصف الكاتب بانون بأنه غير منظم لا يرد على هاتف ولا ايميلات الا بكلمة واحدة وقد فشل في زيجاته الثلاث ويعيش منفردا في بيت يدعى (بيت الفوضى) اسوة بمسلسل تلفزيوني. وتأكيدا على ما سبق قوله، ذكر المؤلف أن ترامب كان يتوقع أنه قد خطب ود الاعلام، لاسيما وأنه سخره لصالحه في السابق. غير أن أول مؤتمر صحفي عقده ترامب بعد فوزه، كان مهزلة، حيث قال “سأكون أكثر شخص خلقه الله يوفر الوظائف للشعب الأميركي.
العلاقة مع روسيا
وكانت وسائل الاعلام قد أحجمت في السابق عن تناول علاقة ترامب بروسيا لأن المعلومات غير مؤكدة غير أن محطة “سي ان ان” لم تتوان عشية المؤتمر الصحفي بعد الفوز من فتح ملف روسيا أو ما عرف باسم ستيلي دوسيه (على اسم كريستوفر ستيل الجاسوس البريطاني السابق الذي عينته شركة فيوشن للمخابرات الخاصة نيابة عن الديمقراطيون للتحقيق في علاقات ترامب مع فلاديمير بوتين وطبيعة العلاقة مع الكرملين). خصص الكتاب أجزاء كبيرة منه لملف روسيا والتحقيقات علاقات ترامب وأفراد أسرته به. كانت نظرة الاعلام قبيل المؤتمر الصحفي الأول أن هناك مؤامرة واسعة تواطء فيها الروس.
كانت النظرية التي ظهرت فجأة هي أن الروس قاموا بإغواء دونالد ترامب خلال رحلة إلى موسكو مع مخطط ابتزاز شاركت فيه البغايا وأعمال جنسية مصورة بالفيديو تجاوزت حدود الانحراف لممارسات جنسية شاذة بما في ذلك “الاستحمام الذهبي” مع البغايا والأفعال الجنسية المصورة على شريط فيديو. وكان الاعتقاد أن ترامب المبتز من روسيا تآمر مع الروس لسرقة الانتخابات وتعيينه في البيت الأبيض ليكون دمية يحركها بوتين. نفى ترامب علاقاته بروسيا وقال انه ذهب لحضور مسابقات ملكات جمال وكان حذرا لأنه يعرف أن الكاميرات في كل مكان. ثم هاجم “السي ان ان” ورفض الرد على سؤالهم في المؤتمر الصحفي.
وفيما يتعلق بصهر ترامب، جاريد كوشنر البالغ من العمر 36 عاما، ذكر المؤلف أن جاريد كان لديه شعور بالزهو بنفسه، ومع قرب موعد تنصيب ترامب رئيساً، أضحى كوشنر وسيطاً بين ترامب والمؤسسات الأخرى بما فى ذلك الحزب الجمهوري والشركات وأثرياء نيويورك مما سبب امتعاض النخب الذين شعروا بالتوجس وادركوا أن الوضع ليس كما ينبغي. ويوضح الكاتب أن كوشنر يحظى بثقة أصدقاء ترامب المقربين القلقين على صديقهم بعدما أصبح رئيسا، والذين يعتقدون أنه لا يفقه شيئا في السياسة.
وكانت النصائح المقدمة لكوشنر “لا تدع ترامب يثير غضب الصحافة أو الحزب الجمهوري ولا تغضب أعضاء الكونجرس لأنهم سيدمرونك إن فعلت ذلك”، و”الأهم من ذلك لا تدعه يثير غضب مجتمع الاستخبارات، لأنهم سوف يجدون وسيلة للانتقام” و”سيقضي عامين أو ثلاثة من التحقيقات في قضية التدخل الروسى، وكل يوم سيتم تسريب شيء جديد”. ويشير وولف إلى هيمنة مفهوم “الدولة العميقة”، وفكرة المؤامرة من جانب الحكومة والمخابرات على فريق ترامب. وكان السيناريو في مخيلتهم، أن مجتمع الاستخبارات جهز أدلة دامغة على تهور ترامب وتعاملاته المشكوك فيها، مع جدول زمنى استراتيجي للوصول إلى مرحلة الإدانة، فضلا عن تسريبات تجعل من المستحيل على ترامب ممارسة الحكم. ويشير الكاتب إلى أن كوشنر كان يعتقد أن التواصل مع وكالة المخابرات المركزية «سى آى إيه» يجب أن يكون من بين الأولويات الأولى للإدارة الجديدة.
وكان ترامب طوال الحملة الانتخابية وبصورة أكثر قوة بعد الانتخابات، استهدف مجتمع الاستخبارات الأمريكي ووصفه بأنه غير كفء وكاذب مستندا على اخفاقاته في قصة أسلحة الدمار الشامل في العراق والاخفاقات الأخرى في سوريا وليبيا اثناء فترة أوباما وتسريبات علاقته بروسيا.
وفيما يتعلق بحفل التنصيب، يذكر وولف أن ترامب لم يستمتع بحفل تنصيبه، بل كان غاضبا للغاية من كبار النجوم في المجتمع الأمريكي لأنهم لم يحضروا الحفل، وكان غير راضي عن مكان إقامته مشيرا إلى أن السرير الذي قضى عليه ليلته كان سيئا جدا، وأن المنزل «حار جدا»، وضغط المياه (فى مرافقه) ضعيف. وفي الصباح، تشاجر مع زوجته ميلانيا. ويرى الكاتب أن ترامب وهو في تلك الحالة المزاجية السيئة تعهد في الخطاب بأن رؤية «أمريكا أولا» ستحكم جميع قراراته، مشيرا إلى أن ترامب عندما غادر المنصة ظل يكرر العبارة التالية: «لن ينسى أحد هذا الخطاب»، بينما نقلت تقارير عن الرئيس الجمهوري الأسبق جورج بوش الابن وصفه لخطاب ترامب بـ “الهراء التافه”. ولفت الكتاب إلى أن ترامب شعر بخيبة أمل بعد فشله في أن يحظى من واشنطن بتحية واحتفال يليق بتنصيبه، مشيرا إلى أنه طلب صباح اليوم التالي، التأكيد على رأيه بأن الافتتاح لاقى نجاحاً عظيماً، وأن المشاركين تخطوا حاجز المليون شخص، لاسيما أنه أجرى سلسلة من المكالمات الهاتفية، حيث أكد صهره كوشنر أن الحشد كان كبيرا وكذلك فعل كبير موظفي البيت الأبيض السابق رينس بريبوس ومستشارة الرئيس الأمريكى كيليان كونواى، لكن الحشد كان ضعيفا. لم يحضر أحد من نجوم الصف الأول حفل التنصيب.
أتحدث مع نفسي
خصص الكتاب مساحات واسعة للحديث عن ستيف بانون كبير المخططين الاستراتيجيين السابق وصدام ترامب مع الإعلام. وذكر أن بانون ساعد في تخفيف الارتجالية والعفوية والفورية لدى ترامب. قال بانون بأن ترامب لن يتغير أبدا، وأن أي محاولة للتغيير من شأنها أن تعيق أسلوب عمله، وأن تلك المسألة ليست مهمة بالنسبة لأنصار الرئيس الأمريكي، فضلا عن أن الإعلام لن يحبه على أي حال، ومن الأفضل أن يلعب دورًا ضد الإعلام عن أن يكون معه. ويضيف بانون إن ادعاء وسائل الإعلام أنها حامية للنزاهة والدقة هو أمر صورى، وأخيرا، فإن ما اسماه “ثورة ترامب” كانت هجوما على الافتراضات والخبرات التقليدية، لذلك من الأفضل تبنى سلوك ترامب عن محاولة كبحه أو علاجه. ويشير المؤلف إلى أن مشكلة ترامب تكمن في أنه لم يلتزم أبدا بالنص.
وتأكيدا على اهتمام ترامب بالاعلام، اتهم البيت الأبيض وسائل الإعلام الأمريكية بالتحكم في الصور لتقليل عدد الحشد الذى حضر حفل التنصيب. وفى السياق ذاته، لفت الكاتب إلى أن أصدقاء الرئيس الأمريكي كان يوجهون له المزيد من اللوم بخصوص تعامله مع الإعلام، مشيرا إلى أن بعض تلك الاتصالات تتم بإيعاز من طاقم ترامب نفسه، مطالبين أصدقاء الرئيس بالتدخل لتهدئته. ويروي وولف تفاصيل مكالمة هاتفية بين المذيع الأمريكى الشهير وعضو الكونجرس السابق جو سكاربورو وترامب، سأل فيها الأخير من هو الشخص الذي تثق به؟ من الذي يستطيع أن يتحدث إليك من بين طاقمك قبل أن تقرر اتخاذ إجراء ما؟، فأجابه ترامب “إنه أنا، أتحدث مع نفسى”.
كان السؤال المتكرر الذي شغل الكثيرين هو ما إذا كان ترامب سيواصل تغريداته العشوائية الغريبة في كثير من الأحيان الآن بعد أن أصبح رسميا رئيسا للولايات المتحدة – وكانت إجابة ترامب بأنه سيواصل. كان هذا هو ابتكاره الأساسي في الحكم: رشقات نارية منتظمة وغير منضبطة من التغريدات الغاضبة. لو وجد ضالته للاستحواذ على اهتمام الاعلام ولم يكن على استعداد للتخلي عن التغريدات، وإلا ماذا كان سيفعل؟
وللتدليل على تعمد ترامب تجاهل النص وفي مناسبة نظمها كوشنر بعناية في 21 يناير ودعا لها أفراد ال”سي آي ايه”، أعد ترامب خطاباً للإطراء على وكالة المخابرات المركزية وبقية جهاز المخابرات مترامي الأطراف. أطلق ترامب بدون أن ينزع معطفه وأمام حشد من حوالي ثلاثمائة من موظفي الوكالات ومجموعة من موظفي البيت الأبيض، ما وصفها المؤلف ببعض التصريحات الأكثر غرابة لرئيس أمريكي على مر التاريخ.
قال ترامب في ذلك الحفل ” كان عمي أستاذاً رائعاً في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لمدة 35 عاما، قام بعمل رائع، كان عبقرية أكاديمية، وبعد ذلك يتساءلون، هل دونالد ترامب عبقري؟ أنا أعرف الكثير عن ويست بوينت، أنا شخص يؤمن بالأكاديميين. ثق بي، أنا شخص ذكي”. كانت هذه طريقته في الثناء على مدير وكالة الاستخبارات المركزية الجديد، مايك بومبيو، الذي كان قد درس في ويست بوينت والذي وجد نفسه الآن محتاراً مثل كل الحاضرين.
زاد ترامب بالقول “عندما كنت شابا – بالطبع أشعر إنني شاب، أشعر وكأنني 30.. 35.. 39، أعتقد أنا شاب، كنت أقف في الأشهر الأخيرة من الحملة في أربع، خمس، سبع محطات لأخطب أمام خمسة وعشرين، ثلاثين ألف شخص.. خمسة عشر، تسعة عشر ألفا، أشعر إنني شاب، وأعتقد أننا جميعا شباب. عندما كنت شابا كن نفوز دائما في هذا البلد. كنا نفوز في التجارة، وكنا نفوز في الحروب – في سن معينة سمعت من أحد المعلمين أن الولايات المتحدة لم تخسر الحرب أبدا. وبعد ذلك، بعد ذلك، لم نفز بأي شيء. أنت تعرف التعبير القديم، الغنائم تعود إلى المنتصر؟ هل تتذكرون، كنت أقول دائما، حافظوا على النفط “.
سأل أحد عملاء السي أي ايه “من الذي يجب أن يحافظ على النفط؟”. مضى ترامب قائلا “لم أكن من محبي العراق، لم أكن أريد أن أخوض في حرب العراق. ولكنني سأقول لكم عندما دخلنا كان خروجنا خاطئا، وأنا دائما أقول حافظوا على النفط. الآن أقول ذلك لأسباب اقتصادية، ولكن” إذا حافظنا على النفط لن تكون هناك داعش لأن هذا هو المكان الذي حصلوا منه على أموالهم في المقام الأول، لذلك هذا هو السبب في أننا يجب أن نحافظ على النفط. ولكن حسنا، ربما سيكون لديكم فرصة أخرى، ولكن الحقيقة هي أننا يجب أن نتمسك بالنفط “. توقف الرئيس برهة وابتسم بارتياح واضح. “هل تعرفون السبب في أنني اخترتكم كأول محطة، كما تعلمون أنا في معركة مع وسائل الإعلام، فهم أكثر البشر غير الأمناء على وجه الأرض، وهم جعلوا الأمر يبدو كأنني في عداء مع مجتمع الاستخبارات وأنا أريد أن أثبت العكس تماما. هل شاهدتم حفل التنصيب أمس؟ كان سيعجبكم. حضر حشد كبير من الناس. لقد رأيتموهم. ولكنني استيقظت هذا الصباح، وتنقلت بين الشبكات التلفزيونية، ولم أر إلا أماكن فارغة، لقد نظرت إلى الميدان، كان يبدو وكأن هناك مليون، مليون ونصف من الناس. لكنهم أظهروا صورة لا يوجد فيها أحد. وقالوا إن دونالد ترامب لم يجذب الناس بشكل جيد، وقلت كان الجو ممطرا تقريبا، والمطر هو ما أخاف الناس، ولكن الله نظر إلى أسفل وقال أننا لن ندع المطر ينزل أثناء خطابك. والواقع عندما بدأت أقرأ السطر الأول كانت هناك بضع قطرات من المطر، وقلت، يا الله هذا أمر سيء للغاية، ولكنني سأمضي، والحقيقة أن المطر توقف فورا..”. “لا لم يتوقف” قال أحد الحاضرين ولكنكم تدركون أنني أردت فقط أن أقول أنني أحبكم، وأنا أحترمكم، لا أحب وأحترم أحدا أكثر منكم. يمكنكم القيام بعمل رائع ونحن في طريقنا للبدء في الفوز مرة أخرى، لذلك شكرا جزيلا لكم جميعا”. وصف وولف الحال بعد انتهاء خطاب ترامب المروع بالقول “تكاد تسمع صوت وقوع الابرة”.
سمية آدم عيسى باحثة سودانية تعمل في مركز دبي لبحوث السياسات العامة (بحوث). تنشر هذه المقالة متزامنة وبالتنسيق مع المركز.
الكتاب: النار والغضب في بيت ترامب الأبيض.
المؤلف: مايكل وولف، صحافي اميركي صدرت له عدة كتب.
الناشر: دار هنري هولت، 336 صفحة.
تاريخ النشر: 5 يناير 2018.