تكهنات روسية.. لافروف يستعدُّ لمغادرة منصبه Previous item اللوياثان الجديد: الانحدار... Next item سيرغي لافروف.. "السيد لا"...

تكهنات روسية.. لافروف يستعدُّ لمغادرة منصبه

ياسر قبيلات

تعاند تطورات الأحداث على الساحة الدولية وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، وتضع العراقيل أمام فرص خروجه من المشهد السياسي، تحقيقاً لرغبة، يعبر عن أسبابها بالقول إنه يريد أن «ينجو بحياته»، في إشارة على الضغط الهائل، الذي تمثله مسؤولياته السياسية والدبلوماسية.

ومع ذلك، تداولت الصحافة الروسية بنشاط تكهنات حول احتمال مغادرة لافروف، منصبه، بعد أربعة عشر عاماً كاملة، أنجز خلالها إعادة بناء شاملة لسياسة روسيا الخارجية، ورسم خارطة علاقاتها مع العالم وقضاياه، محدثاً انقلاباً جذرياً في دور ووزن بلاده ومكانتها في العالم، وترسيخ اسمه وصورته كأحد أهم محركي الدبلوماسية في الساحة الدولية.

مغادرة لافروف لمنصبه، التي خفتت التكهنات حولها بعد سلسلة الأحداث الصاخبة التي ترافقت مع «أزمة سكريبال»، لا تزال واردة، لا سيما بعد إعادة تكليف ديمتري ميدفيديف بتشكيل الحكومة الروسية الجديدة، في وقت يتداول فيه الإعلام الروسي نقلاً أوساط وزارة الخارجية أن الوزير لم يتخلّ عن رغبته القديمة في التقاعد، بعدما طال به المقام في الوزارة أكثر مما خطط والتزم به للرئيس فلاديمير بوتين لدى قبوله المنصب، وأنه بات في الفترة الأخيرة يلح في لقاءاته مع الرئيس على الاستقالة، ويكرر أنه «أُستنزف» و«أُرهق» و«تعب».

وتؤكد بعض المصادر أن الوزير ترك موضوع استقالته على الطاولة منذ أكثر من عام، ولكن الرئيس بوتين، الذي حاول إقناعه بالعودة عن رغبته، استمهله إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية. ويبدو أن الوزير عاد إلى التذكير برغبته، والمطالبة بتحقيقيها.

وتثير التكهنات حول استقالة الوزير سيرغي لافروف اهتماماً خاصاً، بتزامنها مع تجاذب في الإدارة الروسية حول سياسة روسيا الخارجية، التي قادت إلى توسيع واضح لدور موسكو الدولي، ما أدى إلى زيادة نقاط الاحتكاك والتوتر مع الغرب. وهو ما لا يبدو مريحاً بالنسبة لجناح نافذ في الحكومة الروسية.

واتخذت التكهنات منحى جدياً، حينما نشر المستشرق والمحلل السياسي في صحيفة «فيزغلاد»، أناطولي المريد، الشهر الماضي، منشوراً على مدونته، يؤكد فيه أن الكرملين يعد مرسوماً بشأن إعفاء سيرغي لافروف من منصب وزير الخارجية، لافتاً أن الوزير يواجه هجوماً من جهاز الحكومة نفسها، التي تتهمه بأنه مفرط التشدد ويتسبب بتعقيد العلاقات مع الولايات المتحدة.

وفي المنشور نفسه، يؤكد أناطولي المريد، أن مشروع المرسوم الرئاسي بشأن إعفاء لافروف لا يحظى بقبول الجسم الرئيس من أقطاب الإدارة الرئاسية، ولم يتم اعتماده بعد مِنْ غالبية أركانها، ولكنه يمكن أن يتجسد في عدم دخول لافروف في عداد الحكومة الجديدة المنتظر تشكيلها في وقت لاحق من مايو/ايار الجاري.

ويعلق المحلل السياسي، بيوتر أكابوف، على ذلك قائلاً إنّ التكهنات حول استقالة لافروف، تبدو للوهلة الأولى، مجرد إشاعات، إذ لا يمكن لأحد أن يتصور أن يقبل الرئيس بوتين بإقالة وزير كفؤ ومهني مثل الوزير لافروف، سواء استجابة لرغبة الوزير الخاصة أو رضوخاً لضغوط الحكومة. لا سيما وأنه يتطابق معه في الموقف من قضايا السياسة الخارجية بنسبة مئة بالمئة، ويشاركه بالكامل في تبني «برنامج ميونخ» للسياسة الخارجية.

ويتساءل أكابوف: «كيف يمكن القبول باستقالة الوزير لافروف الذي يعتبر إلى جانب وزير الدفاع سيرغي شويغو أكثر أعضاء الحكومة شعبية في الشارع وبين المواطنين الروس. علاوة على ذلك، كيف يمكن أن يحدث هذا في ذروة إنجازات لافروف المشهودة في الملف السوري؟».

وليست هذه المرة الأولى، التي تتكاثف فيها الغيوم حول الوزير لافروف، وتثار مسألة استقالته أو إقالته. ففي ربيع العام 2011، مع اندلاع الأحداث العربية، دخل الوزير لافروف في صراع حاد مع ديمتري ميدفيديف، رئيس البلاد آنذاك، بشأن ليبيا. فقد كان الأخير يصر على ضرورة الثقة بوعود الأميركيين له «بعدم اللجوء إلى القوة دون مشاورات مع روسيا». ولكن سرعان ما ظهر حينها أن الأميركيين كانوا يخدعون ميدفيديف. وبالنتيجة، حسم الصراع الداخلي لصالح الوزير لافروف.

ومن المعروف أن هذا الخلاف، كان القشة الأخيرة التي قصمت ظهر رئاسة ميدفيديف، وأقنعت بوتين، الذي كان يخطط لإعطائه فترة رئاسة ثانية، بتعديل خططه والترشح بنفسه في الانتخابات الرئاسية التالية.

الوضع الآن مختلف تماماً، فموقف روسيا في سوريا هو نتيجة العمل المشترك بين الرئيس ووزارة الخارجية، ولا يمكن أن يسبب هذا الموقف أي توتر بين قيادات الكرملين. كما أن إحدى أهم نقاط قوة لافروف، وهي مهمة بشكل استثنائي اليوم، هي معرفته الممتازة بمطبخ القرار في واشنطن وأساليب الأميركيين وتقنيات عملهم على المسرح الدولي ككل.

ومن الملاحظ أن التكهنات حول وضع الوزير لافروف، تجددت مع اتخاذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قراراً، لفت انتباه المراقبين، بتعيين سيرغي فيرشينين، الناطق بالعربية والخبير بشؤون منطقة «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، نائباً جديداً لوزير الخارجية.

وفي هذا التعيين وظروف اتخاذه ما يلفت الانتباه فعلاً، ومن ذلك أنه جاء في خضم التكهنات حول مغادرة الوزير لافروف لمنصبة، والحديث النشط عن أنه لن يدخل في عداد الحكومة الجديدة. إضافة إلى أن لدى وزير الخارجية، فعلاً، عشرة نواب يمارسون ملفات ومناطق مختلفة، من بينهم ميخائيل بوغدانوف، الذي يمسك بملفات المنطقة العربية والعلاقات مع منظمة التعاون الاسلامي، وقضية الشرق الأوسط؛ فماذا سيضيف هنا اختصاصي في شؤون المنطقة العربية؟

ومع ذلك، هناك من يرى أن هذا التعيين، رغم ظروفه المحيطة، لا يصب في اتجاه ترجيح مغادرة لافروف للمشهد السياسي؛ إذ يعبر أستاذ قسم القيادة والأمن القومي في الأكاديمية الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية الروسية، إيفان سورما، عن ثقته بأن تعيين فيرشينين لا يأتي، بحال من الأحوال، لتأمين خليفة محتمل لسيرغي لافروف.

ويزيد سورما على ذلك قائلاً: «الرئيس لن يُعتِق لافروف، لا سيما في هذه اللحظة السياسية الدقيقة على الساحة الدولية. وعلى الرغم من رغبة لافروف الخاصة في ترك منصبه، إلا أنه من المرجح أن يعدل عن ذلك في ضوء التطورات على المسرح الدولي، ويبقى في منصبه ويواصل العمل. أما تعيين فيرشينين فهو تدعيم لفريق لافروف تحضيراً للأحداث المستقبلية في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى».

ويمكن هنا، الركون إلى دقة هذا التحليل؛ إذ يمكن أن يملأ خبير في شؤون منطقة «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، الفراغ الذي تركه نائب وزير الخارجية السابق، غينادي غاتيلوف، الذي تم تعيينه في وقت سابق مندوباً دائماً لروسيا لدى الأمم المتحدة في مقرها الثاني بجنيف.

ولكن هل حقاً أضعفت «أزمة سكريبال» وحرب «طرد الدبلوماسيين» احتمالات مغادرة لافروف منصبه..؟

تؤكد التسريبات، التي تنقل عن الرئيس الروسي رغبته «تجديد شباب» نصف عدد وزارات حكومة بلاده. قناعته أن هذه التغييرات تحتم بقاء وزيري الخارجية (لافروف) والدفاع (شويغو)، في منصبيهما. كما أن موسكو عودتنا، في الفترة الأخيرة، على مواجهة التشدد الغربي بتشدد روسي مقابل.

وبالطبع، فإن عنصراً بعينه، يبدو محرجاً في حالة لافروف؛ إذ يقول الخبير في مركز التقنيات السياسية، ألكسي ماكاركين: «وفقاً لاستطلاعات الرأي، سيرغي لافروف من أكثر الوزراء الروس شعبية، والمجتمع يرغب في أن يبقى بمنصبه. ولكن في حالة لافروف، لا يتعلق الأمر، على ما يبدو، برغبة المجتمع، بل برغبة وزير الخارجية نفسه».

ويبقى السؤال قائماً حول من يحدد مصير لافروف، ولمن تكون الكلمة الأخيرة بهذا الشأن في النهاية: للوزير لافروف، صاحب الكلمة القوي، أم للتطورات المتجددة على الساحة الدولية، التي تعانده، وتدفع الرئيس الروسي للتمسك به؟

هذا، أبرز ما يمكن أن تجيب عنه تشكيلة الحكومة الروسية الجديدة، التي سيعلن عنها في غضون أقل من أسبوعين.

 

 

ياسر قبيلات  كاتب وصحافي أردني خبير بالشؤون الروسية يعمل في صحيفة «البيان» الاماراتية. صدر له مؤخرا كتاب “ألغاز بوتين: قصة حياة وسيرة مهنة”. له عدد من الأعمال الأدبية منها: خلاف عائلي، حانة الحي القريبة وكتابك الذي بيميني. رابط مؤلفات ياسر قبيلات: www.neelwafurat.com/locate.aspx?mode=1&search=author1&entry=%ED%C7%D3%D1%20%DE%C8%ED%E1%C7%CA