قصة جيدة أكثر من اللازم: لدينا اسلحة نووية Previous item النووي الإسرائيلي... Next item البهيموت القديم: الوحش...

قصة جيدة أكثر من اللازم: لدينا اسلحة نووية

محمد فاضل العبيدلي*

في ديسمبر عام 2014، جمعتني والصحافي الاستقصائي الاميركي سيمور هيرش صدفة غداء في المؤتمر السنوي لشبكة إعلاميون من اجل صحافة استقصائية عربية (أريج) في العاصمة الاردنية عمان.  لقد كان هيرش هو المتحدث الرئيسي في مؤتمر ذلك العام وضيف شرف المؤتمر.

قادنا حديث الغداء هذا الى كتابه “خيار شمشون” والذي خلص من خلاله بعد استقصاء طويل الى ان اسرائيل تمتلك بضعاً من الرؤوس النووية. قلت له انني متشكك في هذا قليلاً مع كامل إحترامي لجهده وكتابه. بدا مهتماً للملاحظة، فقلت له ان قصة موردخاي فعنونو هي التي بنت كل هذه الشكوك لدي. سألني: ماذا بشأن قصة فعنونو؟ قلت له: ما هي الرسالة الوحيدة الباقية بعد كل الغبار الذي أثارته قصة فعنونو ؟ إنه أمر واحد: “اسرائيل لديها اسلحة نووية”.

ثمة عبرة/رسالة ثانية باقية من قصة فعنونو: ذراع اسرائيل الطويلة ومخابراتها القوية التي تستطيع الوصول الى اي شخص واي مكان في العالم. صفن قليلا وابتسم قائلا: “أوه.. لم أفكر في الموضوع على هذا النحو”.

لفترة من الوقت، كنت مثل غيري تحت تأثير القناعة التي خلفتها قصة فعنونو، لكن مع إعادة النظر في القصة والتعامل معها كما هي باستخدام الشك المنطقي فقط، يصل المرء الى تلك الرسالة الوحيدة الباقية من قصة فعنونو: “اسرائيل تملك أسلحة نووية”. والسؤال الذي يلي هو: لماذا تلجأ اسرائيل الى قصة مثل قصة فعنونو  لإيصال رسالة بأنها تملك أسلحة نووية؟

عندما قرر المصريون شن الحرب ضد اسرائيل في عام 1973 لتحرير شبه جزيرة سيناء، سعوا الى التأكد ما اذا كانت اسرائيل تملك اسلحة نووية، فلم يتخذوا قرار المضي قدما في شن الحرب الا بعد ان تأكدوا بعد جهد استخباري استمر بضع سنوات الى انها لا تملك أسلحة نووية. أما قصة فعنونو فقد ظهرت في العام 1986 عندما نشرتها صحيفة “التايمز” البريطانية. بين هذين الحدثين 13 عاماً ، واللجوء الى هذه الطريقة المموهة لإبلاغ العالم ان لدى اسرائيل أسلحة نووية يطرح احتمالين: الأول هو ان تكون بالفعل قد توصلت الى امتلاك اسلحة نووية. والثاني: هو العكس انها لا تملك أسلحة نووية لكنها تريد ان يعتقد العالم انها تملك هذه الأسلحة. في حديثي ذاك مع سيمور هيرش، طرحت ملاحظة أخرى حول قصة فعنونو وهي انها “جيدة اكثر من اللازم”.

يبدو ان العالم صدق الرسالة الأساسية لقصة موردخاي فعنونو. فبعد استعراض رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو الأخير حول مساعي ايران لامتلاك اسلحة نووية، نشرت محطة “بي بي سي” على سبيل المثال ضمن تغطيتها لهذا الحدث اطاراً توثيقياً حول الدول التي تملك أسلحة نووية بعنوان “9 دول تمتلك أسلحة نووية في العالم.. تعرف عليها” من بينها اسرائيل.

ليست “بي بي سي” وحدها من يعتقد بامتلاك اسرائيل لأسلحة نووية، بل العالم بأسره. لكن هناك ما يتعين التوقف عنده وهو الغموض الذي تلتزم به اسرائيل حيال هذا الموضوع وهو عنصر آخر مهم لفهم موقف اسرائيل الحقيقي في هذا الموضوع.

هناك ما يمكن ان نسميه “الاستثمار في الوهم”، بمعنى انك توحي لخصومك وأعداءك أو للآخرين عموماً بأمر ما متعلق بك او تروج للأمر لتدفعهم للاعتقاد بهذا الشيء، سواء تعلق الامر بالتاريخ [اكثر ما يمكن تزويره] أو بشيء تملكه. ومن الواضح ان الاسرائيليين يطبقون في هذا ما قاله صن تزو قبل قرون في كتابه “فن الحرب” عندما قال ان “جميع الأمور المتعلقة بالحرب تعتمد على الخداع”.

لقد قيل نفس الأمر بالنسبة لإيران ايضا، حيث يعتقد خبراء عديدون انها استثمرت في بناء وهم لدى القوى الغربية وجيرانها العرب بأنها تقترب من امتلاك اسلحة نووية بهدف اجبار هذه الدول على التفاوض معها.

ومن الواضح ان الخدعة التي تنطوي عليها قصة فعنونو هي استلهام لقاعدة أخرى من قواعد الحكيم صن تزو الذي اشار في موضع آخر من كتابه المرجعي الى ان “القتال والانتصار في جميع المعارك ليس هو قمة المهارة، التفوق الأعظم هو كسر مقاومة العدو دون قتال”.

هنا، استخدمنا الشك المنطقي فقط وتعاملنا مع قصة موردخاي فعنونو كما هي بتفاصيلها وتسلسلها، فاتضحت الثغرات في هذه القصة. ومن جديد، فإن التساؤل عن الرسالة الوحيدة الباقية فيها كفيل بأن يجعل هذه القصة أداة لخداع استراتيجي يتبعه الاسرائيليون وهو ما سيفصله المقال التالي في هذا الملف للدكتور مغازي البدراوي مؤلف كتاب “السلاح النووي الاسرائيلي ونظرية الردع بالظن”.