محمد فاضل العبيدلي
يقول الدكتور مبارك نجم عن البوم “الحان بحرينية اوركسترالية” انه حلم قديم لديه ويمثل باكورة لمشروعات مماثلة لتحويل اغنيات من التراث البحريني الى قوالب اوركسترالية ومشروعات مماثلة للأغنية الخليجية والعربية. و فيما يلي نص المقابلة مع الدكتور نجم:
من أين جاءت فكرة تقديم كلاسيكيات الغناء والموسيقى البحرينية بالأوركسترا؟ ما هو الدافع الفني بالدرجة الأولى
مبارك: جاءت الفكرة من الرئيس التنفيذي لشركة طيران الخليج السيد ماهر المسلم الذي قال حسب تعبيره اننا ناقلة وطنية لكن ليس لدينا موسيقى وطنية نبثها على متن اسطول طيران الخليج. لهذا طلبوا مني ان اقوم بتأليف موسيقى من الاغنيات البحرينية. الفكرة لم تكن واضحة بالنسبة لهم ولم تكن هذه النتيجة التي استلموها هي التي كانوا يتصورون انها ما يريدون. النتيجة كانت أبعد بكثير مما كانوا يتصورونه. كانوا في الأساس يقولون اننا لا نستطيع ان نذيع الاغاني كما هي حيث أن تلك التسجيلات قديمة ولا تتوفر فيها جودة الصوت المطلوبة عند تشغيلها على أجهزة الصوت الحديثة على متن الطائرات وعليه نريد تسجيلا حديثا للأغنيات البحرينية. في الحقيقة لقد كنت امام تحدٍ كبير: هل اقوم بإعادة تسجيل الاغنيات كما هي بالقليل من الآلات، عود وناي وايقاع وقانون، أم انني ابادربتحقيق الحلم الدفين والقديم لدي الذي كنت اتمنى ان تتاح لي الفرصة واقدم اغنياتنا البحرينية في قالب أوركسترالي؟ لقد قبلت التحدي الاصعب من غير ان يدرك مسؤولي الناقلة الوطنية ان النتيجة ستكون بهذه الصورة.
إخترت هذا الخيار لأسباب عدة، الدافع فني بالدرجة الأولى، لكن هناك دافع من نوع آخر يتمثل في أن الكثير من الفنانين كانوا ينتظرون من الفنان مبارك نجم مع كل درجاته العلمية والامكانيات العلمية والخبرة والتجربة الطويلة، أن يبادر بتقديم أعمال موسيقية ترقى الى الامكانيات العلمية والخبرة التي يملكها.كانت كلها دوافع اجتمعت مع بعضها ناهيك عن رغبتي الشخصية في ان أقدم عملاً متميزاً يخدم الأغنية البحرينية ويعيد لها امجادها وان اجعل المستمع يستمتع بجمال الاغنية البحرينية في كل مراحلها من 1960 الى العام 2000 ويشعر بالأغنية بشكل مختلف ومغاير عن كل ما هو متداول. اي ان تقدم بصورة أوركسترالية وتقدم بتقنيات التناول الأوركسترالي والتعامل مع الآلات الاوركسترالية بألوانها وظلالها، إن كل ما سبق ذكره يحتاج بكل تأكيد الى خبرة وعلم ودراسة قد لا يستطيع القيام به إلا موسيقي متمكن وذو خبرة بالدراسات والنظريات الموسيقية الاوروبية والعالمية لكي يتناول العمل بشكل صحيح.
أي دوافع عديدة، حركتها شركة طيران الخليج، ولم أتردد في قبول التحدي للقيام بالأصعب في سبيل تقديم عملٍ متميزٍ ومغاير، يعيد للاغنية البحرينية أمجادها ويضيف لها ويحرك الماء الساكن ولربما يدفع غيري ايضا للمبادرة بتقديم ابداعات جديدة .
يتراوح السياق الزمني للأغنيات المختارة ما بين 1961 -2008. ما هي العناصر او المقاييس الفنية التي بموجبها اخترت هذه الاغنيات لتقديمها في قالب أوركسترالي؟
مبارك: في الحقيقة، كانت لدى مسؤولي طيران الخليج خيارات معينة خصوصا الاغنيات الوطنية مثل “تبين عيني” و”نعم نعم“. في الحقيقة قدموا لي قائمة طويلة لكنني ابلغتهم ان علينا ان نختار اغنيات متميزة تعيش في وجدان الإنسان البحريني، اغنيات تعد نماذج للأغنية البحرينية، وعلى أثر ذلك تركوا الخيار لي. عندما ترك الامر لي قررت اولا ان اختار اغنيات تمثل مراحل من الاغنية البحرينية بداية من زمن محمد بن فارس وصولا الى العام 2008 بأغنية للفنان احمد الهرمي. أغاني محمد بن فارس في الحقيقة تحتاج تناولاً خاصاً ويحتاج مشروعاً بذاته، ومعالجة اعماله بشكل اوركسترالي يحتاج الأمر الى تأن ووقت، فاستثنيت أغاني محمد بن فارس وأغاني ضاحي بن وليد وانتقلت الى أغاني محمد زويد واخترت له اغنية “كوكو” وهي اغنية مشهورة له. والكل يعرف محمد زويد من خلالها لكي تمثل الجيل، اي جيل محمد زويد ورفاقه ومرحلتهم، يوسف فوني وعبدالله بوشيخة وعلي خالد وبورقبة وعنبر وكل الفنانين من معاصريه. واذا ما تساءلنا لماذا “كوكو”، فان الجواب هو ان هذه الاغنية مشهورة وجميلة وتعطيني مساحة وحرية في التعامل معها بشكل اوركسترالي وادخال التنويعات اللحنية عليها. اضافة الى ان هذه الاغنية غالبا ما تقدم بشكل فكاهي وهزلي، فآثرت ان اعيد لها اعتبارها وشيئا من الرصانة.
بعد زويد، تأتي الاغنية البحرينية الحديثة التي يمثلها ابراهيم حبيب واحمد الجميري والمرحوم محمد علي عبدالله، فإخترت لكل واحد منهم اغنية او اثنتين تمثل مرحلة الاغنية البحرينية الحديثة. بعد هذه المرحلة تأتي مرحلة مبارك نجم وخالد الشيخ. مبارك موجود في العمل ككل واخترت لخالد الشيخ اغنيات جميلة احبها رغم ان خالد لديه الكثير من الاغنيات الجميلة، لكنني اخترت له الاغنيات الثلاث الموجودة في الالبوم، ثم انتقلت الى المرحلة الاخيرة وهي التي تمثل فنانين مثل نزار عبدالله واحمد الهرمي فإخترت أغنية “مثايل” لكي تمثل هذه المرحلة.
من جانب اخر، تضم الاسطوانة عشر اغنيات ففضلت الموازنة بينها فاخترت خمس اغانٍ وطنية وخمساً أخرى عاطفية. الاغنيات المختارة تستحق ان يتم تناولها بشكل اوركسترالي رغم ان بعضها كان صعباّ جدا في التناول الاوركسترالي.، لكنني اعتقد ان النتيجة موفقة والحمد لله.
ثلاث من الاغنيات العشر تعود الى فترة الستينات وثلاث اخرى الى الثمانينات؟ ومع ادراكنا ان المقاييس الفنية تفرض نفسها، هل بالإمكان الاشارة الى ميزة ما لهذين العقدين من الناحية الفنية؟ ثمة انطباع بان هذين العقدين مثلا نهضة من نوع ما للأغنية البحرينية؟
مبارك: لم افكر على هذا النحو، كل ما فكرت فيه هو ان اتناول اغنيات جميلة في أي عقد او مرحلة زمنية. جمال اللحن هو المقياس الذي دفعني لاختيار الاغنية بالدرجة الاولى. لكن مثلما سبقت الاشارة حرصت على تغطية كل مراحل الاغنية البحرينية. الستينات كانت فترة الاغنية البحرينية الحديثة التي ظهر فيها مطربينا الكبار مثل ابراهيم حبيب واحمد الجميري ومحمد علي عبدالله وظهر معهم للمرة الأولى في البحرين موسيقي لا يقدم الأغاني بصوته أنما يبدعها لكي يغنيها غيره من المطربين ويطلق على هذا الموسيقى لفظ “ملحن” وكان هذا أمراً جديداً في البحرين في ذلك الوقت، وتعود الريادة في هذا الشأن الى المرحوم عيسى جاسم والمرحوم أحمد الفردان وانظم اليهما في هذا المجال في فترة السبعينيات (مبارك نجم). في تلك الفترة، نهضت الفرق الموسيقية والجمعيات الفنية وكثير من الجمعيات الموسيقية. لقد شهدت فترة الستينيات نهضة ثقافية ونهضة فنية غير مسبوقة، واستمرت الى فترة الثمانينات حيث وصلت فيها الأغنية البحرينية الى اوج نشاطها وشهرتها، وقدم الفنانون البحرينيون اعمالاً غنائية في غاية الروعة والجمال، لكن بعد ذلك وبسبب عدة عوامل تعثرت الاغنية البحرينية كثيرا وانحسر دور الجمعيات الفنية والموسيقية.
كيف رأيت استقبال الجمهور للعمل؟
مبارك: في الحفل الذي اقامته هيئة البحرين للثقافة والآثار في 16 ديسمبر/كانون الأول الماضي احتفالا بالعيد الوطني، وقمت من أجله باستدعاء أوركسترا بلغاريا السيمفوني (التي سجلت معها الاسطوانة) وقدمنا الحفلة بقيادتي وقائد الاوركسترا البلغاري. كانت هذه هي المرة الأولى التي تنظم فيها هيئة البحرين الثقافة والآثار حفلاً موسيقياً أوركسترالياً لفنان بحريني على خشبة المسرح الوطني الرائع، وقد استقبل الجمهور الاعمال باحتفاء منقطع النظير الى درجة ان الجمهور ظل يصفق واقفا لفترة اعجابا بهذا العمل، لقد كان “حفلاً اسطورياً” حسب ما أطلق عليه الجمهور.
هل هناك مشروع مماثل لكلاسيكيات اخرى؟
مبارك: نعم هناك مشروع مماثل وهو مشروع موسيقي أوركسترالي يستمد مادته الموسيقية من أغاني الفلكلور النسائية البحرينية. وقد قدمت بعض النماذج من تلك الأعمال في الحفل الموسيقي الأوركسترالي بتاريخ 16 ديسمبر 2017 على مسرح البحرين الوطني، حيث قدمت ثلاثة مقطوعات وهي “توب توب يا بحر” و”يدفوها على السيف” وأغنية الجلوة “واترينبو”. هذا احد مشروعاتي القادمة وهناك مشروع آخر سأتناول اغنيات بحرينية اخرى ومشاريع اخرى لتقديم أغنيات خليجية وعربية بمعالجة أوركسترالية. اتطلع لتقديم الاغنيات الكويتية والسعودية والاماراتية وكل اغنيات دول الخليج في قالب اوركسترالي وان نقدم حفلات لموسيقانا في قالب اوركسترالي. اتطلع الى يوم يذهب فيه الخليجيون الى المسارح للاستمتاع بموسيقاهم الخليجية وهي تقدم لهم في قوالب اوركسترالية يشعرون من خلالها بمتعة أكبر بكثير من تلك المتعة التي يشعرون بها عندما يستمعون لموسيقى بيتهوفن وموزارات وتشايكوفيسكي وغيرهم.
الدكتور مبارك نجم مؤلف موسيقي وقائد أوركسترا بحريني مخضرم، قائد الموسيقات العسكرية بوزارة الداخلية برتبة لواء. أنظر السيرة الذاتية الكاملة: https://www.dropbox.com/s/cv7vtbqkaq0kiam/
