بعد اكثر من عشر سنوات على صدور روايته الاخيرة “السوافح ماء النعيم”، يعود الروائي والسيناريست البحريني فريد رمضان الى الرواية مع صدور روايته الجديدة “المحيط الإنجليزي” التي وقعها في معرض البحرين للكتاب اعتبارا من 28 مارس الماضي.
يشكل التاريخ وسياقاته وهواجس الهويات، منعطفا في النتاج الروائي لدى فريد رمضان منذ العام 1994 على الأقل عندما اصدر روايته “التنور..غيمة لباب البحرين”، بعد اعماله الأولى التي تعاطت مع القلق الوجودي للفرد بشكل كبير.
سألنا رمضان المشغول بتقصي التاريخ عن روايته الجديدة واجوائها ومن هم ابطالها، فآثر ان يخص موقعنا بهذا المقال.
محيط الوهم والحقيقة
فريد رمضان
صار عليّ بعد كل هذه المسافة الزمنية التي ابتعدت فيها عن السرد منذ آخر رواية صدرت لي “السوافح ماء النعيم” في العام 2006م، وهي أكثر من عشر سنوات، في طرح سؤال خاص: إلى أين أذهب في محاولة فهم هذه التحولات الاجتماعية والسياسية في منطقة صغيرة تمتد عبر خليج ضحل المياه لا يزيد طوله عن 960 كلم. وفهمه عبر الرواية.
كانت الفكرة بعد اصدار ثلاث روايات تتناول هويات مختلفة من الهجرة والاستيطان في البحرين وجذورها القادمة من البصرة وساحل فارس والأحساء والقطيف وعمان. هو البحث في تاريخ وهجرات أخرى، وكانت الفكرة في البحث حول تاريخ السود، وهذا ليس له علاقة عنصرية بتاتا، الألوان لا نختارها بل نرثها في جيناتنا. وهو هنا إكمالا على تاريخ البحث في فهم الهوية في ظل غياب الديمقراطية وفشل الأنظمة في تحقيق مفهوم المواطنة والعدالة الاجتماعية. وفي ظل تكريس مفهوم الأرض وما عليها..
وهكذا انطلقت.. بدأت البحث في زنجبار ثم ممباسا، وتجارة الرق النشطة جدا على هذا الساحل الشرقي من أفريقيا إلى شبه الجزيرة العربية، والامتداد التاريخي للمملكة النورانية الزرادشتية في فارس ووصولها إلى هذا الساحل أيضا. وممارستها البطش في حق الإنسان الأفريقي!
على الجانب الآخر، تكشفت لي تجارة أخرى وهجرة قسرية تعيد لي ذاكرة سقوط الأندلس، وهي هنا سقوط المملكة البلوشية وتفككها وتقسيمها وحجم الهجرات التي ترتبت عليها إلى الساحل الغربي، بعد تقسيمها بين باكستان وأفغانستان واخيرا انتزاع الدولة البهلوية الجزء الأخير المتبقي منها وتنازل سلطنة عمان لباكستان بالأثر الأخير للحكم العربي فيها. مما أحدث أكبر هجرة للسكان من الضفة الشرقية إلى الضفة الغربية حيث دول الخليج العربية، وساعد على ذلك التواصل التاريخي العميق للنفوذ السياسي والتجاري العماني على مكران وغوادر سهولة الانتقال والتحول!
بين أفريقيا الشرقية ومكران، بسطت شركة الهند الشرقية سيطرتها على البحر والأرض والإنسان والحيوان. وصار كل شيء يدار ويصرف بأوامر إنجليزية تقر في بوشهر والهند حتى أضحى هذا المحيط إنجليزياً.
وكان علي أن أبحث في خضم كل هذه الأفكار عن القصة، عن السرد بعيداً عن كل ما سبق!
وشكلت لي حادثة حقيقية تتمثل في غرق سفينة عربية وقعت في المحيط الهندي وهي تحمل عبيد، منطلق أول للبناء السردي لتكشف لي عن حجم أحلام التبشير والتنصير بالمسيحية في شبه الجزيرة العربية وارتباطها بشكل عميق مع الرق والعبودية.
وشكلت الحروب القبلية وتجارة الرق في مكران مسار زمني آخر عبر اختطاف شاب بلوشي وبيعه في مطرح، تسير الحكايتان بشكل متواز حتى يلتقيان في مسلك واحد يجمع من تبقى من شخصيات العمل الروائي في الفصل الأخير ، بعد تحولات وإقامات وهجرات البعض، وتبدل اديان البعض الآخر من الهند ومكران وغوادر والمنامة ومطرح ومسقط وجدة ومكة وصولا إلى أرض القرنفل؛ زنجبار !
فريد رمضان كاتب وروائي وسيناريست بحريني، له العديد من المؤلفات الأدبية في القصة القصيرة والرواية والمسرح والدراما. صدر له “البياض” قصص قصيرة 1984، “تلك الصغيرة التي تشبهك” 1991، “التنور.. غيمة لباب البحرين” 1994م، “نوران” تجربة مشتركة مع الفنان التشكيلي البحريني جمال عبدالرحيم 1995، “البرزخ.. نجمة في سفر” 2000، “السوافح.. ماء النعيم” 2006، “عطر أخير للعائلة” 2008، مسرحيات عربية: (نصوص مسرحية بحرينية) نصوص مسرحية مشتركة مع كتّاب من البحرين – دائرة الثقافة والإعلام / إمارة الشارقة 2010م. “رنين الموج” تجربة مع الفنان التشكيلي عمر الراشد 2012.
يعد من أهم كتاب السيناريو المتخصصين في كتابة الأفلام السينمائية في المنطقة. كتب أهم الأفلام الروائية البحرينية: “زائر” (2004)، “حكاية بحرينية” (2006) و”الشجرة النائمة” (2014) كتب العديد من سيناريوهات الأفلام الروائية القصيرة. حاز على العديد من الجوائز في القصة القصيرة والرواية والمسرح والسيناريو. كما حازت بعض أفلامه القصيرة على جوائز دولية.