أولويات بوتين في الولاية الرابعة والأخيرة Previous item ما "بعد بوتين".. من المبكر... Next item كاظم: نوازعنا العدوانية...

أولويات بوتين في الولاية الرابعة والأخيرة

مغازي البدراوي

حقق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فوزا ساحقاً في انتخابات الرئاسة ليبدأ فترة ولايته الرابعة، والمفترض أن تكون الأخيرة دستورياً، حيث لا يمنح الدستور الروسي الحق للشخص سوى فترتين فقط، يخرج بعدهما من الرئاسة، ويمكنه العودة للترشح بعد مرور فترة ولاية واحدة. وهو ما فعله بوتين عام 2008، ووضع ديمتري ميدفيديف في منصب الرئيس، وانبرى هو يدير شئون الدولة، بما فيها “شئون الرئاسة” من خلف الكواليس من خلال منصبه رئيساً للوزراء، ولم يفعل ميدفيديف شيئاً يذكر خلال فترة ولايته حتى عام 2012، سوى أنه حافظ على كرسي الرئاسة لبوتين. وأضاف له عامين على مدة الرئاسة بتعديل دستوري، لم يستفد ميدفيديف نفسه منه، حيث جعل مدة الرئاسة ست سنوات بدلاً من أربعة.

 

نهاية السباق

الأن لا أحد يتوقع تكرار هذه “التمثيلية” مرة أخرى، خاصة وأن بوتين سيبلغ الثانية والسبعين في نهاية ولايته الحالية، ولا يمكن أن ينتظر ست سنوات ليعود للرئاسة مرة ثانية وعمره يقترب من الثمانين، وبالتالي يمكن القول أن أمام فلاديمير بوتين ست سنوات فقط عليه أن يحقق فيهما كل ما يريد وكل ما يستطيع تحقيقه. ومن المؤكد أن لدى بوتين نفسه تصوراته الخاصة لأشياء كثيرة يرغب في إنجازها وتحقيقها قبل تركه الرئاسة عام 2024. ولهذا يعتبر الكثيرون فترة ولاية بوتين هذه هي الدورة الأخيرة في السباق الطويل الذي عليه أن يفوز فيها، وإلا يخسر السباق كله منذ بدايته عام 2000[1].

 

أوكرانيا وسوريا

من المؤكد  أن بوتين سيمارس مهامه العادية في الرئاسة، وسينشغل بالقضايا الهامة المطروحة أمامه، ومنها القضيتين الرئيسيتين، أوكرانيا وسوريا. هاتان هما القضيتان اللتان على بوتين إنجازهما وحسمهما قبل تركه الرئاسة، ذلك أن الكثيرين يعتقدون أن غيابه عن الرئاسة سيؤثر بشكل كبير على مسار هاتين القضيتين الحيويتين.

فالكثير من الأمور تتوقف على قراراته الشخصية الحاسمة التي يأخذها بنفسه ولا يتراجع فيها أبداً، وهي السمة الرئيسية التي لاحظها الكثيرون في بوتين، عدم التردد وعدم الرجوع في القرار.  ولولا هذه السمة ما عاد القرم من أوكرانيا لروسيا  ولأحتل الانقلابيون في كييف كل أوكرانيا وسيطروا عليها وطردوا الملايين من الروس منها وفتحوا أوكرانيا لأعداء روسيا ليهددوها ويعتدوا على مصالحها، وفي سوريا، لولا القرار الحاسم بإرسال الطائرات الروسية وإطلاق العملية العسكرية الروسية هناك في سبتمبر عام 2015، لربما اختفت سوريا من الوجود وتحولت إلى بؤر تسكنها العصابات الإرهابية. لهذا فمن المؤكد أن بوتين سيسعى لإنهاء هاتين القضيتين وحسمهما بشكل نهائي قبل نهاية ولايته الأخيرة.

 

الإصلاح العسكري

لقد بدأ بوتين فترة ولايته الأولى للحكم في روسيا عام 2000 بالإصلاح العسكري وإعادة بناء الجيش الروسي الذي تدهورت أحواله في التسعينات بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ولم يتوقف بوتين عن بناء الجيش الروسي وتزويده بأحدث الأسلحة على مدى ثمانية عشرعاما من حكمه للبلاد، وتحدى في ذلك كافة الظروف، من تراجع الاقتصاد والأزمات المالية، وضغوط المعارضة والضغوط الخارجية التي حاولت إثارة الشعب الروسي عليه بحجة أنه يضيع ثروات البلاد على الإنفاق العسكري.

ولم يتأثر بوتين ولم يتراجع عن هدفه، واستطاع بالفعل إعادة بناء الجيش الروسي وجعله، في رأي الكثيرين، أقوى جيوش العالم الآن، خاصة بعد الاستعراض الذي قدمه بوتين في رسالته الأخيرة في الأول من مارس أمام الجمعية الاتحادية الروسية، والتي استعرض فيها الأسلحة الروسية الحديثة، متحدياً أن تملك  دولة أخرى مثل هذه الأسلحة أو أقوى منها. ولكن هل سيستمر من يأتي من بعد بوتين على هذا النهج، أم سيكتفي بما صنعه بوتين؟ الاحتمال الأكبر أن يكتفي حتى لا يضعف الاقتصاد بسبب الإنفاق العسكري، ويواجه معارضة قوية استطاع بوتين مواجهتها بشعبيته الجارفة وإنجازاته الأخرى الكثيرة، لهذا فإن علية استكمال بناء القوة العسكرية الروسية ستشغل حيزاً كبيراً من اهتمامات بوتين في فترة ولايته الأخيرة[2].

 

القضايا الاجتماعية

من المؤكد أن بوتين سيولي القضايا الاجتماعية اهتماماً كبيراً في فترة ولايته الأخيرة، خاصة وأنه متهم بإهماله لها طيلة سنوات حكمه الطويلة، رغم ما حققه فيها من إنجازات كبيرة، ولكن ما زالت قطاعات كبيرة من الشعب الروسي تعاني من سوء وسائل وظروف المعيشة، خاصة في المناطق الفقيرة ذات الإمكانيات الاقتصادية المحدودة. وهناك مدن وقرى كثيرة في روسيا تسيطر عليها المعارضة الروسية بسبب سوء الأحوال الاجتماعية فيها، ونسبة ما يزيد عن الثلاثين في المائة من الأصوات التي يخسرها بوتين في الانتخابات إنما بسبب الأحوال الاجتماعية المتردية لدى قطاعات من الشعب الروسي، ومن المؤكد أن بوتين الذي اقترب من تحقيق صورة البطل الشعبي التاريخي، يطمح أن يترك الحكم والشعب الروسي يحبه ويذكر إنجازاته، ولهذا فمن المتوقع أن يولي بوتين اهتماماً كبيراً للأحوال الاجتماعية، وهو ما وعد به قبل الانتخابا [3].

 

الفساد

وتعد قضية الفساد أهم وأخطر القضايا التي واجهها بوتين منذ توليه حكم روسيا عام 2000 ، وأطلق بوتين في بداية فترته الرئاسية الأولى حربا على الفساد، وأقر سلسلة قوانين تجبر المسؤولين على المحاسبة بخصوص دخلهم ومنعهم من امتلاك الأصول المصرفية خارج البلاد، ووضع القوانين الضرائبية الصارمة، ومراقبة دخول الأفراد في البنوك، ومعاقبة استغلال النفوذ والمناصب. ورغم كل هذا، ورغم شراسة بوتين المعروفة عنه في التعامل مع الفساد، إلا أنها تظل نقطة الضعف الأكبر والأبرز، وورقة الضغط الرئيسية التي تمسكها المعارضة الروسية وتتهم بها واشنطن وحلفاؤها الكرملين ونظام بوتين، رغم مستوى النزاهة الشخصية المعروف عن بوتين نفسه، إلا أن الاتهامات توجه إليه بأنه يرعى الكثيرين من الفاسدين في الدولة.

لا ينكر  بوتين نفسه تفشي الفساد في العديد من أجهزة ومؤسسات الدولة الروسية، ويسعى لبذل جهد أكبر في مكافحة الفساد، رغم يقين البعض من أن الفساد جزء أساسي من “التراث” الروسي في هذه الدولة الغنية بمواردها الطبيعية والمترامية الأطراف. لكن ما حققه بوتين من إنجازات في مكافحة الفساد كثير جدا، مما سيشجعه على استكمال حربه على الفساد في فترة ولايته الأخيرة[[4]].

 

الاقتصاد الروسي

رغم ادعاء البعض بأن بوتين اهتم بالجيش على حساب الاقتصاد، إلا أن ما حققه بوتين من إنجازات في المجال الاقتصادي أكبر بكثير مما كان متوقعاً، بل أن البعض يحيل الشعبية الكبيرة لبوتين في داخل روسيا إلى إنجازاته الاقتصادية التي تحسنت معها أحوال غالبية الشعب الروسي وزادت فيها الدخول والمعاشات عشرات الأضعاف وزادت فيها فرص العمل حتى تناقصت البطالة بشكل غير عادي واقتربت من أدنى مستوياتها.  ويكفي بوتين أنه استلم روسيا من سلفه الراحل يلتسين واقتصادها منهار تماماً، وكان ترتيبها بين الاقتصادات العالمية السابعة والثلاثين بين الدول النامية الضعيفة، والآن صعدت للمركز السابع وتنافس بريطانيا على المركز السادس.

ورغم معاناة الدول الكبرى من الأزمة العالمية عام 2008، ورغم العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن والغرب على روسيا بعد الأزمة الأوكرانية، ورغم الانخفاض الحاد في أسعار النفط على مدى خمسة أعوام مضت، إلا أن الاقتصاد الروسي لم ينهار ولم يتأثر بالشكل الذي توقعه له الكثيرون، ومهمة بوتين في فترة ولايته الأخيرة ستكون بالقطع في المزيد  من جذب الاستثمارات الأجنبية للاقتصاد الروسي، والحرص على تنويع مصادر الدخل حتى لا تقتصر في أغلبها على مصادر الطاقة[[5]].

 

ما بعد بوتين

المهمة الأخيرة والأهم في ولاية بوتين الأخيرة ستكون الإعداد لما بعد بوتين، حيث السؤال الذي يطرحه الجميع، “ماذا بعد بوتين؟”.  إنه سؤال يشغل روسيا وشعبها والعالم كله، حيث ارتبطت روسيا على مدى أكثر من ربع قرن مضى باسم بوتين، حتى تخيلت الغالبية من الناس في العالم كله أن روسيا لا تصلح بدون بوتين، وأنه لا يوجد في روسيا من يحل مكان بوتين. حتى فترة السنوات الأربع التي قضاها ديمتري ميدفيديف في رئاسة روسيا، كان بوتين هو الذي يدير شئون الحكم من منصبه كرئيس وزراء، وهذا أمر اعترف به ميدفيديف نفسه. ولا يمكن أن يكون هذا السؤال غائبا عن بوتين أو بعيداً عن اهتماماته، بل ربما هو السؤال الرئيسي الذي سيشغل بال واهتمام بوتين طيلة فترة ولايته الأخيرة، وربما قراره الترشح للرئاسة مستقلاً وبعيداً عن حزبه الذي أسسه “روسيا الموحدة” يعطي مؤشراً لنوايا لديه في تأسيس مؤسسة حزبية قوية ليست مرتبطة بشخصه ولا باسمه لتكون نواة لبنية سياسية قوية في روسيا[[6]].

توقعات أخرى

كل هذه الأمور والقضايا ستشغل اهتمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في فترة ولايته الأخيرة، لكن هذ كله مع احتمال توقعات أخرى يفكر فيها البعض من الآن وحتى عام 2024، ومنها توقع بمنح بوتين فترة ولاية خامسة استثناءا على الدستور وباستفتاء شعبي، مكافأة له على إنجازاته التاريخية، أو ليستكمل ما بدأه من إنجازات ويحقق الاستقرار والأمان لروسيا، وهذا توقع غير مستبعد، لكنه أيضاً يتوقف على ظروف ومؤشرات كثيرة يصعب تحديدها وحسمها من الآن.

 

الدكتور مغازي البدراوي خبير  في شؤون روسيا وآسيا الوسطى. من اهم مؤلفاته “السلاح النووي الاسرائيلي ونظرية الردع بالظن” و”التوازن النووي والدرع الصاروخي”، “روسيا وايران ، تعاون ام تحالف”. كما قام بترجمة عدد من الكتب من الروسية الى العربية اهمها “رهائن الكريملين” و”الأب الروحي للكريملين” و”ملفات المخابرات الروسية” و”الدبلوماسية السوفيتية والروسية”.

 

 

 

 

[1] أنظر: بوتين وميديفيدف وتباد المقاعد.  موقع سكاي نيوز عربية. 8 مايو 2102. الرابط:  https://www.skynewsarabia.com/world/19137ا-بوتين-وميدفيديف–تبادل-المقاعد

[2]  –  فلاديمير بوتين وتعزيز سلطة الدولة – موقع “روسيا اليوم” 13 -3-2018

https://arabic.rt.com/russia/931917-%D8%B1%D8%A4%D8%B3%D8%A7%D8%A1-

[3]  – صحيفة الشرق الأوسط – 4 نوفمبر 2017 – سويتشاك تنتقد سياسة بوتين الاجتماعية

https://aawsat.com/home/article/1072756/كسينيا-سوبتشاك-منافسة-بوتين-على-الكرملين

[4]  – اعتقال مئات خلال احتجاجات ضد الفساد في روسيا – 12 يونيو 2017

http://www.bbc.com/arabic/world-40246894

[5] رؤساء الاتحاد الروسي – روسيا اليوم – 13 -8 – 2018

https://arabic.rt.com/russia/931917-%D8%B1%D8%A4%D8%B3%D8%A7%D8%A1-

[6]روسيا وحقبة ما بعد بوتين – الشرق الأوسط – 12-12-2017

https://aawsat.com/home/article/1110071/ليونيد-بيرشيدسكي/روسيا-وحقبة-ما-بعد-بوتين