هواجس الهوية تخيّم على دول الخليج Previous item أوهام الحكومة وأوهامنا Next item نقوش السجادة الايرانية الجديدة

هواجس الهوية تخيّم على دول الخليج

محمد فاضل*

بعد أكثر من عقدين على طفرة النفط الثانية في ثمانينات القرن الماضي، أدرك الخليجيون بوضوح أن الازدهار الاقتصادي قد تكون له أثماناً باهظة. هكذا ربّما يمكننا القول أن هواجس الهوية لدى الخليجيين وصلت إلى مرحلة “الفزع”. ففي ثمانينات القرن الماضي، التقط بعض المثقفين والأكاديميين الخليجيين مبكّراً المؤشّرات المقلِقة التي بات يطرحها الوجود الكثيف للعمالة الأجنبية التي جاء غالبها من أرياف ومدن شبه القارة الهندية والشرق الأقصى. وبدأوا يطلقون التحذيرات منذ ذلك الحين من تأثير ثقافات العمّال الأجانب على الأجيال الجديدة من الخليجيين، ولم ينسَوا أيضا كشف الأستار عن الجانب المظلِم من حياة هؤلاء الخاضِعين لأشكالٍ متنوّعة من الاستغلال الاقتصادي والإنساني. كانت تلك التحذيرات المبكِرة بالنسبة للحكومات والمستثمرين المبتهِجين بالعوائد الاقتصادية الكبرى لطفرة أسعار النفط تبدو أصواتاً نشازاً، فالتدفّقات المالية الهائلة والأرباح المتأتية من استخدام عمالةٍ رخيصة كانت مُسكِرة بحق.

لكن لم تمضِ سنوات حتى تبيّن أن التحديات التي يطرحها هذا التدفّق الكثيف للبشر نحو الخليج، تتجاوز هذه المخاوف “الثقافية”. فبعد أن كانت المخاوف على “الهوية” موضوعاً مقتصراً على نخب المثقفين والأكاديميين الخليجيين، أصبح المسؤولون الرسميون هم الذين يقرعون الأجراس اليوم وبشكلٍ مدوٍ. ففي نيسان/ابريل الماضي، وفي حلقةٍ نقاشية نُظَِمَت في مدينة أبوظبي أُطلِقَ عليها “منتدى الهويّة الوطنيّة” وشارك فيها مسؤولون رسميّون وشيوخ، وتردّدت فيها كل مفردات الفزع، أطلق قائد شرطة دبي، الفريق ضاحي خلفان صرخةً مدوية:”أخشى أنّنا نبني عمارات، ونفقد الإمارات[1].

لم يكتف خلفان، وكان دوماً صاحب التصريحات المثيرة للجدل، بذلك، بل راح يستخدم كل وسائل المحاجّة والإقناع بالقول أمام الرسميين والشيوخ “أن ما تشهده الإمارات هو هجرة العواصِف”، محذّرا من “كارثة”، إذا لم تتِّخذ الدولة قرارات حازمة في موضوع خلل التركيبة السكانية”؛ ووصف المرحلة الحالية بأنّها “مفترق طرق[2]”. وحسب تقرير لوكالة “فرانس برس”، فإنّ المسؤول الأمني الإماراتي قد عرض على الحاضرين “مقاطع تسجيليّة لأعمال شغبٍ يقوم بها أجانبٌ، إضافةً إلى سيّارات محترقة ومحلاّت مهشّمة بفعل تحرّكات احتجاجيّة للعمال الوافدين”، كما “عرض صوراً لشوارع في دبي مكتظّة بالآسيويين مزدحمة”، وعلّق قائلاً “تخيلوا هذه الأعداد الهائلة من البشر الآسيويين في ساحات الدولة، ساحات تخلو من المواطنين: حرقٌ وتدميرٌ، إلى أين نسير؟”.

لم تتوقّف تحذيرات الفريق خلفان عند هذا الحد؛ فبعد أن أثنى على قرار رئيس الدولة باعتبار العام 2008 “عاماً للهوية الوطنية”، راح يوالي إطلاق التحذيرات من التأخّر في معالجة مشكلة الهوية وضرورة التحرّك وصولاّ إلى أكثر التحذيرات التي تنضح بالفزع: “الديموقراطي باراك أوباما أبوه كيني وينافِس على الرئاسة في أميركا، فهل نريد أن ينافس كوتي (اسم هندي) على الرئاسة عندنا؟”.

لدى المسؤول الأمني، الذي يعرف أكثر من غيره مخاطر التعامل مع حشودٍ من البشر يصعب التكهُّن بردود فعلها، المزيد من التحذيرات المفرطة في التشاؤم: “لقد تأخّرنا في معالجة الوضع، وأقول أنّه إذا تمكن أبناء أولياء العهود الحاليين من حكم الإمارات فستكون الدنيا بألف خير…”. بل إنّه زاد بأن ألقى بأصعب التكهّنات عندما توقّع “ألا يبقى نظام الحكم الحالي، إذا لم تُتَّخذ تدابير”و”أن المجتمع الإماراتي سينهار إذا انهار حكم السلالات الحاكمة [3]“.

(لم كل هذا الفزع؟)

خلف هذه التحذيرات غير المسبوقة والتكهّنات المستقبلية الغارقة في التشاؤم، تقف حقيقةٌ من شأنها أن تقضّ المضاجع، وهي أن المواطنين من سكّان الإمارات يمثّلون فقط خمس سكان هذه الدولة الخليجية، التي باتت تجتذب المستثمِرين والأيدي العاملة من كلّ مكانٍ في العالم. فمن بين 4 ملايين و106,427 نسمة يمثلون إجمالي السكان في الإمارات وفق إحصاء العام 2005 الرسمي، لا يزيد عدد المواطنين عن 825,495 ألف نسمة، في مقابل 3 ملايين و280,932 ألفاً من الأجانب[4]. أي أن المواطنين يمثّلون حوالي 4،15%. من السكان. وسوف يرتفع عدد الأجانب وفق التقديرات الرسمية إلى 4 ملايين و143 ألفاً، في حين سيصل عدد مواطني الإمارات بالكاد إلى 923 ألفا عام 2009[5].

لقد ظلّت الإمارات لفترةٍ طويلة، وتحديداً منذ الثمانينات، متفرّدة من بين دول الخليج الأخرى فيما أَطلق عليه الخليجيون تسمية “خلل التركيبة السكانية”. إنّها مفردة إماراتية يوميّة في الخطابين الإعلامي والرسمي. وهي بهذا تقتفي آثار الكويت التي باتت تُعاني أيضاً من نسبةٍ عالية للوافدين مقابل المواطنين، مثلها مثل قطر التي تخطّت بنهاية العام 2007 حاجز المليون ليصل عدد سكانها إلى مليون و226,211 ألف نسمة[6].

لا توضّح الإحصاءات القطرية الرسمية نسبة الأجانب والمواطنين بدقة، لكن إحصاءاتها لسوق العمل تبيّن أن الأجانب يمثّلون الغالبية الساحقة لقوة العمل في قطر. فمن بين 976,991 ألفاً يشكّلون مجموع القوى العاملة يصل عدد الأجانب إلى 848,383 ألفاً، في مقابل 128,608 ألفاً من المواطنين القطريين[7]. أمّا السعودية، ورغم أنها تضمّ أكبر عدد من العمّال الأجانب (أكثر بقليل من 6 ملايين أجنبي)، فإنّها وحدها تبدو مطمئنة حتّى الآن مع عدد سكانٍ يصِل إلى 23 مليونا و980,834 ألف نسمة[8]، يمثل السعوديون منهم نسبة الثلثين (17 مليونا و493,364 ألفا). لكن في البحرين القريبة التي حافظت لفترةٍ طويلةٍ على نسبة الثلثين من المواطنين والثلث للأجانب في عدد سكانها، قُرِعَ الجرس للمرّة الأولى على المستوى الرسمي، وإن بشكلٍ خجول، قبل شهورٍ خلت. هذا، بعد أن تخطّى عدد السكان حاجز المليون للمرّة الأولى في تاريخها. أُضيفَ إذاً إلى الجدل السياسي المستعِر فيها موضوعاً جديداً لنزاع لن يخفُت لسنوات قادمة، مثلما يرى جلّ البحرينيين.

ففي تقديمه للتقرير الاستراتيجي البحريني الأول الذي يصدره مركز البحرين للدراسات والبحوث، وهو مؤسّسة أبحاث رسمية، حذّر رئيس مجلس أمناء المركز، السيّد محمد الغتم، من أنّ التحدّي الديموغرافي قد بات يمثّل أولويةً بين التحديات التي تواجها المملكة[9]، مشدّداً على وجه الخصوص على المخاطر المحتملة على الهوية الوطنية، لتقارب عدد السكان البحرينيين مع الأجانب المقيمين.

وحتّى قبل هذا التحذير، كان عدد السكان موضوع نزاعٍ سياسيٍ عندما وجّه نواب جمعية “الوفاق الوطني الإسلامية” التي تمثّل التيار الشيعي الرئيسي في البحرين[10] سؤالاً لوزيرٍ من العائلة الحاكمة، حول عدد سكان البحرين. وعندما قدّم الوزير الشيخ أحمد بن عطيّة الله آل خليفة، وزير شؤون مجلس الوزراء ورئيس الجهاز المركزي للمعلومات، إجابته لمجلس النواب، بدا أنّ البحرينيين قد استفاقوا على مفاجأة، حيث أعلن أنّ عدد سكان البحرين تخطّى المليون ليصِل إلى 1,046,814 نسمة [11] مع فارقٍ ترجيحيّ بسيطٍ للبحرينيين (529,446 ألف نسمة) مقابل (517,368 ألف نسمة) من الأجانب.

وعلى الفور، طالب نواب جمعية الوفاق بإصرار على تشكيل لجنة تحقيق للوزير ولم يكن لرفض بقية النواب من الكتل الأخرى لهذا الطلب سوى أن يشل جلسات المجلس لنحو شهرين. لقد أصر نواب الوفاق على طلبهم معتبرين أن الوزير تعمد إخفاء معلومات سكانية حيوية. ورغم مباشرة لجنة فرعية للمجلس التحقيق مع الوزير، انتهت الأزمة في دهاليز التحالفات البرلمانية وأحبط نواب غالبية مؤيدة للحكومة أي مساع لإدانة الوزير.

دوافع النواب الشيعة كانت تحّركها مخاوفٌ متأصلة من نزاعٍ أكثر خطورةّ وحساسيةً بالنسبة لهم، هو ذاك المتعلّق بسياسة التجنيس الحكومية؛ حيث يتّهم الشيعة الحكومة بالقيام بعمليات تجنيسٍ لتعديل الميزان الديموغرافي لصالح “السنّة” في مقابل أغلبية السكان الشيعة. لكن تخطّي حاجز المليون في عدد السكان لم يعُد أمراً يمكن التهوين من تأثيره على الموازنة والخطط الحكومية لرفع مستوى الخدمات وتحسين مستوى المعيشة التي تمثّل قضيةً مركزيةً في الجدل السياسي في بلدٍ صغير مكتظٍّ بالسكان أصلاً. فالكثافة السكانية البالِغة “1010 نسمة للكيلومتر المربع” في البحرين هي الأعلى خليجياً[12]، وهذا الرقم الكبير من السكّان في جزيرةٍ لا تزيد مساحتها عن 735.8 كليومتراً مربعاً يضيف أعباءاً كبيرة على اقتصاد البلد. لكنّه يطرح، في أحد تبعاته الملموسة، المخاوف على الهوية بشكلٍ لا يمكن الإشاحة عنه مثلما ذهب إليه رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث محمد الغتم في تحذيره ذاك.

(عندما لا تعود العمالة شأناً وطنياً)

لكنّ جزءاً غير قليلٍ من الدوافع الحقيقية للقلق لدى دول الخليج حيال مسألة الهوية تأتي من وراء الحدود. فمنذ الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، ومنذ أن غدا “الإصلاح والدمقرطة” عنواناً أساسياً في السياسات الخارجية الأميركية، مارست واشنطن والمنظّمات الدولية ضغوطاً كبيرة على حكومات دول مجلس التعاون الست في ميادينٍ عدّة، كان من أبرزها أوضاع العمّال الأجانب التي أُدرجت ضمن عنوانٍ أكبر هو “مكافحة الاتّجار بالبشر”.

هكذا فان الخطوات البطيئة والشديدة الحذر التي كانت تنتهجها دول الخليج لتحسين أوضاع العمال الأجانب نوعاً ما في العقود الماضية، قد أخذت تتسارع بإيقاعٍ جديد أمام ضغوطٍ دولية لا تكلّ، بلغت ذروتها عام 2007 عندما وضعت واشنطن حلفاءها الخليجيين في قائمة الدول التي لا تبذُل جهوداً كافية لمكافحة الاتّجار بالبشر[13]. هكذا وجدت دول الخليج نفسها أمام استحقاقاتٍ من نوعٍ جديد لم تألفه من قبل، وبدا أن التحسين النسبيّ للأوضاع وإيجاد تشريعات الحدّ الأدنى لم يعودا كافيين؛ بل أنّ هذا كلّه بات يخضع لمراقبةٍ دقيقةٍ من واشنطن والمنظّمات الدولية المعنية ووسائل الإعلام؛ وخلق مناخاً جديداً وَجَدَ العمّال الأجانب فيه أنفسهم قادرين على التحرُّك وتنظيم أنفسهم في منظماتٍ تقوم على مفاهيمٍ جديدةٍ نسبةً للخليج، محورها الدفاع عن مصالحهم، مثلما هو الحال في البحرين مثلاً. ففي هذه المملكة الصغيرة التي تعيش حراكاً سياسياً واجتماعياً أنشط من جاراتها، بفعل معارضةٍ قويّة وقديمة، أسّست مجموعةٌ من الناشطين الأجانب والمحليّين جمعيةً أسموها “جمعية حماية العمّال الوافدين”؛ كما قامت جمعيةٌ حقوقية بحرينيّة بافتتاح مأوى للخادمات الأجنبيّات اللواتي يتعرضنَ للعنف من قبل مخدوميهن.

لم تقتصِر التوجّهات الجديدة لمكافحة الاتّجار بالبشر على حماية العمّال فحسب، بل امتدّت لتشمل مكافحة الدعارة المقنّعة في القطّاع السياحي. ومطلع هذا العام وفيما كانت المنامة تستعدّ لاستقبال الرئيس جورج د. بوش، أصدر العاهل البحريني مرسوماً بقانونٍ طموحٍ لمكافحة الاتّجار بالبشر يضمّ عقوبات مشدّدة للمتورّطين في هذه التجارة البشعة.

وقد خضعت هذه التوجّهات الجديدة لاختبارٍ لم يكن بالحسبان مطلع هذا العام 2008، عندما دفعت وطأة تداعيات انخفاض سعر صرف الدولار الأميركي العمّال الأجانب وخصوصاً الهنود منهم إلى موجةٍ من الإضرابات العمّالية، في شركات المقاولات بالذات. وأخذت هذه الإضرابات تتلاحق في البحرين وفي الإمارات وهزّت بقوّة الصورة النمطيّة للعمالة الأجنبية المطيعة وفق الخبير الاقتصادي البحريني خالد عبدالله، الذي رأى أنّ “الأجانب كانوا مطيعين في السابق لأنّ تحويلاتهم كانت مُجزية؛ لكنّ انخفاض الدولار وارتفاع سعر صرف الروبية الهندية قد أفقد رواتبهم القوّة الشرائية، وأصبحوا يشعرون بوطأة هذا الانخفاض[14]“.

لقد تصدّر العمال الهنود هذه الإضرابات التي تمّ حلّها سريعاً بزياداتٍ بسيطةٍ في الرواتب ودون إجراءات قسريّة، لكن ليس قبل أن تنثُر بعض الشظايا، إذ تحوّلت إلى مادةٍ للنزاع السياسيّ المحلّيّ. ففي البحرين اتّجه غضب رجال الأعمال المحليين نحو السفارة الهندية التي تنادي منذ عامين تقريباً بسياسةٍ جديدةٍ للحكومة الهنديّة تدعو لوضع حدٍّ أدنى لرواتب العمال الهنود في دول مجلس التعاون الخليجي يعادل 270 دولاراً أميركياً تقريباً. وحسب رجل الأعمال البحريني سمير ناس، صاحب واحدة من كبريات شركات المقاولات، “فلا مانع لدينا (..) إذا أرادت الحكومة وضع حدٍّ أدنى للأجور فسنقوم بذلك، لكن ليس مقبولاً أن نقوم بذلك تحت ضغطٍ من سفارة (..) الهند لا تطبّق الحدّ الأدنى للأجور، فكيف تطالب دولاً أخرى بتنفيذ ذلك للعمّال الهنود؟[15].

عدا أنّ الدوافع تبدو قاصرة، ما لم يضاف إليها دوافعاً أهمّ وأقوى لهذه التوجّهات الجديدة من قبل دول الخليج؛ وهي دوافع أكبر بكثير من مسايرة توجّهات “الدمقرطة والإصلاح” العالميّة، مثلما أنّ لواشنطن أسباباً أقوى بكثيرٍ في ضغوطها على حلفائها من دول المنطقة. إنّها اتفاقيات التجارة الحرة التي سعت كلّ دول الخليج إلى توقيعها مع الولايات المتحدة. فهذه الاتفاقيات تفرض معاييرً وشروطاً يتعيّن الوفاء بها من قبل البلدان الراغبة في الدخول في المفاوضات مع واشنطن وتوقيع هذه الاتفاقات، أي أنّ على شركاء واشنطن المحتَمَلين أن يتأهّلوا وفق هذه المعايير التي تمسّ الحياة السياسية وسوق العمل والحريّات النقابية وأوضاع النساء والعمّال الأجانب أيضاً، وبدونها ستكون مصادقة الكونغرس الأميركي على الاتفاقات مستحيلة.

هكذا، تضافرت طموحات النموّ الاقتصادي التي تولّدها المداخيل العالية للنفط مع الحاجة المستمرّة للأيدي العاملة الأجنبية الرخيصة ومع أوضاعٍ دوليّة جعلت من العمال الأجانب شأناً عالمياً وليس وطنياً. لقد أفضى هذا المزيج إلى وضعٍ ما يزال هشّاً بالنسبة للكثيرين، بل إنّه أشبه بالمراهنة الخطرة بالنسبة للكثيرين. وليس أبلغ هنا من وزير العمل البحريني مجيد العلوي.

ففي شباط/ فبراير الماضي أطلق العلوي مبكراً صيحة عالية، عندما أعلن في منتدى عقد في أبوظبي أيضاً، أنّ العمالة الأجنبية “أشد خطراً على الخليج من القنبلة النووية وإسرائيل معاً[16]“. وبعد هجاءٍ مريرٍ “لأسلوب حياة مواطني الخليج” الميّالين للكسل و”جشع رجال الأعمال”، خلص العلوي إلى مصدر القلق الأهمّ، “المستقبل”. وهو أعلن هنا بوضوح أنّ “مشكلتنا مع العمالة الضخمة العدد هي كبيرة، وستؤدّي نتائجها إذا لم نواجهها، إلى “تبديل وجه المنطقة خلال عشرة أعوام قد لا نستطيع بعدها أن نصِف المنطقة بأنّها خليجية أو عربية”.

هكذا وصلت المخاوف الى أعلى المستويات، فالبيان الختامي للقمّة الدورية لقادة دول مجلس التعاون في دورتها لعام 2004 في العاصمة البحرينية المنامة، أشار إلى أنّ المجلس الأعلى لمجلس التعاون “قد وافق على التصوّرات والمقترحات المتعلّقة بشأن معالجة آثار العمالة الوافدة على دول المجلس، واعتبر هذا الموضوع من الموضوعات الحيويّة والمتغيّرة تبعاً للمستجدات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية”. لكنّ هذه الصيغة الملطّفة تخفي ورائها قلقاً كبيراً. وحسب بعض التقارير فإنّ القادة رفضوا في تلك القمّة اقتراحاً تقدّم به وزراء العمل الخليجيون للحدّ من أعداد العمّال الأجانب[17].

 أحد المقترحات الأخرى المتداولة كان تحديد سقفٍ زمنيّ لبقاء العمال الأجانب غير المهرة في دول الخليج لا يتعدّى 5 سنوات. أمّا السبب وراء هذه المدّة من السنوات بالتحديد، فيفصّله وزير العمل البحريني مجيد العلوي الذي أطلق مبكراً تحذيراته: “اكتشفت وزارة العمل وجود اتفاقيةً دوليةً (رقم 97) تعطي الحق للعمالة الأجنبية في الحصول على الجنسيّة بعد خمس سنواتٍ من بقائها في الدولة؛ ودول الخليج تعاني أكثر من البحرين من ازدياد العمالة الأجنبية؛ وهناك دفعة إلى إحياء هذا المشروع وسيُرفع إلى المجلس الأعلى لقادة دول مجلس التعاون الخليجي[18]“.

أيّاً كانت الرؤى والتصوّرات لمستقبل هذه المنطقة التي حوّلها النفط بؤرةً للمصالح العالمية، فإنّما يجري فيها سباقٌ يقطع الأنفاس حقاً بين طموحات الازدهار الاقتصادي وبين مخاوف الذوبان وسط من يصنعون هذا الازدهار.

 

 * كاتب بحريني، مدرب ومشرف في شبكة (اريج) للصحافة الاستقصائية. صدر له كتاب “مناطحة جدار العناد – البحرين استكشاف طاقة المحبةوالتسامح” عن دار مدارك في دبي، 2012.

 

الهوامش:

[1]وكالة الصحافة الفرنسية “الإماراتيون بين الخوف من واقعهم الديموغرافي والرغبة في الانفتاح والنمو”، 15 نيسان/ابريل 2008.

[2]المصدر السابق.

[3]المصدر السابق.

[4] انظر: المجموعة الإحصائية 2006، وزارة الاقتصاد بدولة الإمارات على الانترنت عبر الرابطwww.economy.ae/Arabic/EconomicAndSt…

[5] المصدر السابق.

[6]راجع: تقديرات إجمالي السكان (منتصف العام) – حسب النوع (2004 – 2008)، موقع جهاز الإحصاء، الأمانة العامة للتخطيط التنموي في قطر: www.qsa.gov.qa/Eng/demographics%20S…

[7] أنظر: “نتائج مسح القوى العاملة بالعينة”، تشرين الأول/أكتوبر 2007، جهاز الإحصاء (قطر) على الرابط: cdsi.gov.sa/pdf/demograph1428.pdf

[8]راجع: “نشرة الخصائص السكانية والسكنية من واقع البحث الديموغرافي لعام 2007، مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، وزارة الاقتصاد والتخطيط السعودية، الرابط : www.cdsi.gov.sa/pdf/demograph1428.pdf

[9] التقرير الاستراتيجي البحريني 2008، تقرير صادر عن برنامج الدراسات الدولية وحوار الحضارات، مركز البحرين للدراسات والبحوث، (غير مؤرخ).

[10] ما تزال البحرين تحظر الأحزاب السياسية مثل باقي دول الخليج، لكنها سمحت للتيارات السياسية ومعظمها قديم وكان يعمل بشكل سري بإنشاء جمعيات سياسية.

[11] انظر: موقع الجهاز المركزي للمعلومات، مملكة البحرين، الرابط: http://www.cio.gov.bh/fls/population.pdf

[12] راجع: “دول مجلس التعاون – لمحة إحصائية”. مركز المعلومات، إدارة الإحصاء بالأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي (الرياض)، نيسان/ابريل 2008.

[13] راجع تقرير وزارة الخارجية الأميركية حول الاتجار بالبشر لعام 2007، على الوصلة: http://www.state.gov/g/tip/rls/tipr…

 [14] وكالة فرانس برس “انخفاض الدولار لعب دورا كبيرا في إضرابات العمال الهنود”، 17 شباط/فبراير 2008.

[15] المصدر السابق

[16] انظر: موقع شبكة “سي إن إن” الإخبارية في 23 شباط/فبراير 2008، الوصلة arabic.cnn.com/2008/business/1/25/a…

[17] راجع: صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، “توجه لتحديد مدة بقاء العامل الأجنبي في دول الخليج بـ 5 سنوات كحد أقصى”، 17 آب/أغسطس 2008.

[18] صحيفة “الوسط” البحرينية، “العلوي: توافق خليجي على بقاء العمالة 5 سنوات”، 23 حزيران/يونيو 2008.